18 ديسمبر، 2024 8:07 م

أيام الهزيمة انتهت

أيام الهزيمة انتهت

مازلت اتذكر تلك اللحظات التي مرت في صباح العاشر من حزيران قبل اكثر من ثلاث سنوات، حينها كنت جالساً امام (الحاسوب) بانتظار الأخبار والمواد الصحفية من الزملاء المحررين باحدى الوكالات المحلية (العريقة) في وقتها، والتي كتب لها فيما بعد الموت على يد مالكيها، واذا بمصادرنا في الموصل تبلغنا بان المدينة سقطت وان عناصر تنظيم (داعش) يتجولون بالمدينة بعد انسحاب الجيش منها بطريقة (غريبة).

لم استوعب الامر وترددت قليلا، ثم سألت نفسي كيف اتعامل مع هكذا خبر، فهو لم يكن خبراً عاجلاً عاديا، وإنما كان بمثابة صدمة يجب ان اختار الطريقة المناسبة لنقلها، فهل أتجرد من عراقيتي وابحث عن السبق الصحفي لانفرد به واكون اول من ينقله واحصل على جائزة الخبر العاجل ام انتظر قليلا لعله يكون (كذبة نيسان)، راجعت نفسي قليلا وتذكرت نحن في شهر حزيران، حينها ادركت ان جميع محاولاتي بتكذيب الخبر ففشلت ولَم اجد اي مبرر للانتظار، لإذ أن الوقت يمر ويجب التعامل مع الموقف قبل ان تسبقنا وكالة اخبارية اخرى بنشره، فأكون قد خسرت السبق الصحفي وأفقدته قيمته، فالجميع يعلم اننا في عصر السرعة و(السوشيل ميديا).

حينها تحملت مرارة ما سأنقله وضغطت على احد ازرار الحاسوب، وماهي إلا ثوانٍ حتى اصبح ماحصل في الموصل خبرا عاجلا، يتوسط اعلى الصفحة في (حاسوبي) وباللون الأحمر، فنهضت من مكاني ويدي ترتجف، كيف سمحت لنفسي بالتعامل مع هكذا خبر، هل اخطأت ام كنت مستعجلا، هل السبق الصحفي والبحث عن الشهرة افقدني وطنيتي، هل اصبحت من دون مشاعر وتجاهلت وقع الخبر على قلوب عوائل الجنود في الموصل، والكثير من الأسئلة التي هربت منها بعيدا، لكنها اجبرتني على البقاء في مكاني وسط صمت رهيب رُسم على وجوه جميع الموجودين بقربي من صحفيين (ومحررين ومراسلين)، ليعلن بعدها بدقائق عبر شاشات التلفاز المحلية والعالمية خبر (سقوط الموصل) لم افرح في حينها كعادتي حينما انقل خبرا عاجلا نحصل فيه على الصدارة، لكنني ادركت حينها ان مانقلته كان بداية الكارثة وتمنيت في وقتها ولاول مرة لو كان ما نقلته خطأ وقع فيه المصدر او معلومة لم أتأكد منها.

لم اقصد باستذكار ماحصل في عام 2014، هذا التاريخ الذي ستحفظه الأجيال، تعكير الانتصار الذي تحقق على اخطر تنظيم عرفه تاريخ العراق الحديث، انما لجعل تلك السنوات درسا يعتبر منه الجميع لضمان عدم تكرار ايام الهزيمة، التي كلفتنا الكثير من الدماء والتضحيات خسرنا خلالها شباباً بعمر الزهور واطفال لم يكن لهم ذنب سوى أنهم عراقيون ونساء ترملن وأخريات أصبحن سبايا ومقابر جماعية ضمت الشيعي والسني والمسيحي والايزيدي والشبكي، وكان العالم في حينها يتفرج وينتظر الفرصة المناسبة ليتدخل ليس لنصرة العراق انما ليشمت بنا وليفسد جميع محاولات الخروج من النفق الذي رسمته السياسات الخاطئة وليجد المبرر ليتحكم بمصير العراق وقراراته، لكنّ العراقيين احبطوا تلك المخططات رغم ثمنها الغالي وحققوا النصر الذي لن يكتمل من دون محاسبة من تسبب بجميع تلك الخسائر من قادة آمنيين وسياسيين صفقوا على منصات الرذيلة والخيانة، ومسؤولين تخلوا عن شعبهم وهربوا لاحضان الانفصالين واليوم يتمتعون بالحصانة ويعجز القضاء عن ملاحقتهم.

نعم ما تحقق اليوم نصر كبير فهزيمة (داعش) تبعه إنجاز اخر ورثناها عن صدام وحماقاته منذ 27 عاما، وهو الفصل السابع الذي كان لخروجنا منه، رسالة اخرى عن قدرة العراقيين على تحدي المصاعب مهما كانت قوتها، اخيراً تحية اجلال واحترام لكل من قدم ثمنا لهذا النصر والرحمة لجميع الشهداء، فحرب الأسلحة والسياسة الخارجية انتهت ولَم يتبق أمامك ياسيادة رئيس الوزراء سوى الفاسدين ونحن ننتظر الضربة القاصمة ليكتمل النصر.