من عبارات التهديد والوعيد أيام الصبا كنا نقول في حالة الغضب “عوفني لا ألعب بيه چَقَه وْ شِبر” , أو “ألعب بيه طوبه”, أي لأذيقنه الويل , وهي من فنتازيا تهديداتنا لبعضنا البعض , والتي لاتزال تتصدر المشهد السياسي في بلادٍ ما عرفت إلا أن يُلعَبَ بها “چَقَه وْ شِبر”!
وتتكرر اللعبة مع تغيير الأنظمة , ولا فرق في معطياتها , إلا أن “الوالي ربه عالي” , وأبناء الشعب يزدادون فقرا على فقر , ومقاساة على مقاساة , والنفط يسمعون به ويشمون رائحته ويحترقون به , ولا يتنعمون بدينار واحد من وارداته , لأنها من المحرّمات , ومن عائدات الكراسي , وميزانيات شراء الأسلحة لقتل الشعب , وإتمام الصفقات المؤزرة بالفساد.
فناعور الويلات مترافق مع إكتشاف النفط , ومنذ أن تدفق بجنون من حقول بابا كركر وحتى اليوم , والهوس يهيمن على جميع الشركات والقوى والفئات , التي أذهلها إنبثاق النفط بعنفوان لا مثيل له في الأرض.
ماذا حصلنا من هذا النفط الأسود البغيض؟
تشرد , وحروب , وسجون , وقهر وإمتهان , وتهجير , وتخريب للبلاد وسبي العباد , والكثيرون تركوا الجمل بما حمل , ومسحوا أياديهم بحيطان مآسيهم!
ولا نزال وبعد قرن من الزمان, والعديد من مدارس أطفالنا لا تصلح زرائب للحيوانات في الدول المعاصرة , وفي معظم مناحي الحياة نحن أكثر تأخرا من أفقر دولة أفريقيا , وأشد معاناة من أية دولة لا تملك قطرة نفط.
أ ليس في الأمر لغز؟!
فالجميع يلهث وراء ما لا يُغني من برد ولا يطعم من جوع , والنفط مشاع للذين تمكنوا من البلاد والعباد , وفي جميع العصور والأزمان.
ماذا يجري في بلاد الرافدين , التي تنصلت عن دورها وإرادتها , وإستسلمت لكلّ مَن “حوَّش” على النفط , فأثرى وأفرى وصار إن أعطى يحسبه مكرمات وهدايا , وعطايا من “كيسه الخاص” والمقصود “بئر نفطه أو حقله الخاص”!!
بربكم كيف يسوّغ الشخص لنفسه الإستئثار بنفط البلاد , والتعامل مع وارداته على أنها من ممتلكاته وحسابه الشخصي.
إنّ مصيبة البلاد في نفطها لا أكثر ولا أقل , وكل حالة أخرى وحيلة وتدبير وخدعة إنما “ثريد حول الصحون” , لإلهاء الناس ببعضهم , وسرقة مواردهم , والإثراء على حساب ويلاتهم وأوجاعهم , وصراعاتهم , التي يتم إيقادها , لأخذهم بعيدا عن منابع النفط , التي عليها أن تصب في حسابات أصحاب الذمة والضمير , الذين يرفعون راياتهم النبيلة السامية , وما أدراكَ ما هي؟!!