أشار القرآن الكريم إلى أن بيوت العنكبوت تكون أوهن البيوت. كما أن الآية الكريمة 41 من سورة العنكبوت ذكرت العنكبوت بصفة الأنثى “كمثل العنكبوت اتخذت بيتا” كما ورد في الآية.
الأمر طبيعي جداً لأن خيوط العنكبوت خفيفة وناعمة ومن الممكن أن تمزق بمؤثر خارجي بسيط كما يتراءى لأعيننا في الوهلة الأولى. لكن العلم أثبت العكس تماماً فإن خيوط العنكبوت أقوى من خيوط الفولاذ وهي أقوى من الفولاذ نفسه إذا ما جمع. كما تبين أن هذه الخيوط تمنع الحشرات الكبيرة من توغلها والنفاذ إليها لقوتها ودقة نسجها. فكيف يكون هذا البيت واهناً إذن كما خاطبه القرآن الكريم؟!
لم يغادر العلماء هذا الأمر حتى تم البحث فيه وتوصلت البحوث إلى أن الأمر مختلف تماماً عما نفكر به نحن البشر. في البدء تبين أن صفة الأنثى التي وردت في الآية جاءت بسبب كون أنثى العنكبوت هي من تحمل الخيوط الحريرية وهي من تقوم ببناء البيت ونسجه.
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
هذه الآية حيِّرت العلماء والباحثين قديمًا وحديثًا، فالقرآن الكريم قد أخبرنا أن أوهن البيوت على الإطلاق هو بيت العنكبوت وقد أثبت العلم الحديث أن بيت العنكبوت منسوج من أقوى الخيوط، التي تستطيع مقاومة الرياح العاتية ويمسك في نسجه فرائس العنكبوت من الحشرات التي هي أكبر من العنكبوت دون أن يتخرَّق. هذه الحقيقة يستطيع الإنسان أن يكتشفها بنفسه، حيث يمكنه بسهولة إزاحة بيت العنكبوت بسبب وزنه الخفيف ولكن يصعب عليه قطعه أو تغيير شكله الهندسي الدقيق.
إنك إذا تأملت الآية الكريمة حق تأملها على ضوء ما تقدم، تبيَّن لك أن المعنى المراد منها: إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت رغم قوة ومتانة ومرونة خيوطه، التي نسج منها. فصفة الوهن الذي جاء في القرآن الكريم ليس المقصود به خيط العنكبوت وإنما هو في البيت عامة والذي نسج من ذلك الخيط.
يقول الدكتور محمد الفار أستاذ ورئيس شعبة الكيمياء الحيوية بعلوم المنصورة في مقال له نشر في جريدة الأهرام: “والعجيب أن من هذه الخيوط (القوية) تصنع بيوت العنكبوت (الضعيفة) الواهية والواهنة”. إلى هذا يشير المولى عز وجل في قوله تعالى: “مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”.
وهن بيت العنكبوت ذكر لسبب آخر تماماً غير الخيوط التي نتصورها. فالعلم أثبت أن أنثى العنكبوت التي تنسج البيت تقوم بقتل زوجها مباشرة بعد التلقيح وتقوم بأكله وثم وضع البيوض في هذا البيت. البيوض تفقس ويخرج الصغار منها وما إن يتمكنوا من إسناد أنفسهم حتى يقوموا بقتل أمهم وأكلها ورمي ما تبقى منها خارج البيت. ثم الأولاد يسارعون بقتل بعضهم البعض ومن يسلم يخرج لتكوين حياة جديدة.
هذه الخاصية الفريدة التي تم اكتشافها إنما هي المقصودة في صفة الوهن. فليس هناك بيت أوهن من أن يقتل أفراد البيت الواحد بعضهم البعض ويقومون بنبش جسدهم وأكل لحم أخيه. هكذا أخبرنا القرآن الكريم بأن التمساك الأسري ومن ثم تماسك المجتمع أمر أساسي في تقوية الدعامات وإسناد خيمة البيت الواحد وحمايته أمام العاديات. أما التفرق والتشتت فما الحاصل منه إلاّ الوهن والضعف والهوان.
مثل في منتهي الروعة يورده القرآن الكريم وهو يصور لنا مدى أهمية التماسك والتلاحم في كل شيء.