نظر الحكام الشيعة في العراق بعين الرضا الى نتائج الإتفاقات السرية التي وقعت بخصوص كركوك، وإنسحاب قوات البيشمركه من المناطق المتنازع عليها, فأخذوا يبنون قصور أوهامهم على رمال متحركة، دون أن يلتفتوا الى أن حكومة بغداد ما كانت تقدم على خطوتها الخطيرة تلك، وتوسيع نفوذها وبسط سيطرتها على أراض كوردستان لولا إستقوائها بقوات أجنبية، ولولا سوء تصرف وغض نظر الأمريكان عن التحشدات العسكرية على مشارف كركوك، وأن الأيام تخبىء لهم ولغيرهم مفاجآة قد تكون غير سارة ومدمرة، أو أعاصير وأمطار تتحول الى سيول جارفة تكتسح كل ما في طريقها. فبالغوا في التفاؤل وظنوا أن الهيمنة على كركوك بالقوة المجردة، ووفق المغامرات والحسابات الخاطئة، ستترك آثارا إيجابية على الكثير من الأمور في العراق والمنطقة وتؤثر على تنسيق المواقف بشكل عام بالمحافل السياسية والدولية وتسهم في المزيد من تبادل المصالح بين العراق ودول الجوار، وفي الداخل ستخضع الكورد وتقبر طموحاتهم على أرض الواقع، وتنهي حلمهم المشروع، وتعزز إنتمائهم الى العراق.
توهموا أنهم بعملهم العسكري وإتفاقهم السري مع جزء من فصيل كوردستاني معين، سيتجاوزون نزاعات الماضي، ويفتحون صفحات جديدة بين المكونات العراقية من جهة وبين العراق والدول الإقليمية من جهة أخرى، ويؤسسون أرضية صلبة للتفاهم والتعاون ومواجهة الأخطار الكثيرة التي تواجههم، وفي هذا الإطار تحرك رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي نحو السعودية، وهو يتذكر ما قاله المقرب من العائلة المالكة الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي، الذي يشغل منصب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جدة، أحد المبعوثين السعوديين الى الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان، بشكل صريح حول دعمه لدولة كوردستان المستقلة في اتصال هاتفي مع وكالة سبوتنيك الروسية، عندما قال إن (المملكة لن تقف في طريق إرادة الشعب، وأعتقد أن الأكراد لهم الحق في أن يكون لديهم دولة مستقلة).
كما توجه وزير خارجيته، إبراهيم الجعفري نحو موسكو التي لم تدن إستفتاء الكوردستانيين في أيلول الماضي، وهو يتألم مما قاله الرئيس بوتين قبل (25/9/2017)، عندما أكد على عبارتين، أولها: ضرورة التفاهم بين أربيل وبغداد، وثانيها : أن الاستفتاء حق مشروع لشعب كوردستان. طبعاً، نبع ذلك الموقف الروسي بسبب المرتكزات الحقيقية لسياسة الحكومة الكوردستانية، برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، المنطلقة من التحليل الرصين وقراءة الواقع وتشخيصه والتعاطي باحتراف مع مؤشراته، والعمل على خلق بيئة سياسية وإقتصادية مستقرة بعيدة عن الصراعات القائمة على أسس طائفية أو مذهبية أو عرقية، والتعامل مع القضايا العالقة والملفات الساخنة وفق إستراتيجية ثابتة وقرار مستقل وإرادة تلتقي مع المصالح والاحتياجات، وتكترث للمخاطر المحدقة بالمنطقة المتمثلة بالإرهاب بكل عناوينه.
في ظل أجواء الشحن الطائفي، وصل العبادي إلى السعودية على رأس وفد كبير ضم عدد من الوزراء، لكسب التأييد السعودي، وتطبيع العلاقات بين البلدين وتوقيع عدد من الإتفاقات، ولكن تدهور العلاقات السعودية الإيرانية، والذي يعد لاعباً مؤثراً وأساسياً في كل المعادلات العراقية، وما يملكه من ثقل وتأثير على العبادي، وكذلك التوازنات العراقية الداخلية، ورغم حضور وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في لقاء الملك سلمان والعبادي، حالت دون التوصل الى ما يبتغيه العبادي من إنفتاح سعودي على العراق، دون إملاءات وشروط مسبقة.
أما الجعفري، وبعد أيام من موافقة شركة روسنفت العملاقة المملوكة للدولة، على إدارة خط أنابيب النفط الرئيسي التابع لكوردستان العراق. فقد سمع، أثناء مؤتمر صحفي مشترك، ما كان لايتمناه من وزير الخارجية الروسي، سيركي لافروف، الذي أكد على إن روسيا تحترم رغبة إقليم كوردستان في الدفاع عن هويته وتفهم تطلعات الكورد. كما دعا إلى عدم تحويل التوترات التي أعقبت الاستفتاء على استقلال كوردستان إلى مصدر آخر لعدم الاستقرار. وقال: لابد الأخذ في الاعتبار بشكل كامل الأهمية التي يمثلها مطلب الكورد على المستوى الإقليمي. كما أكد لافروف إن موسكو ستواصل علاقاتها الاقتصادية مع كوردستان مثلما تفعل مع باقي العراق. وقال: أن روسيا لن تغلق قنصليتها في أربيل.
وأخيراً لو صحت التوقعات بشأن زيارة السيد حيدر العبادي لأنقرة، فإنها ستكون بمثابة المهزلة المضحكة المبكية، وحتما سيتذكر خلالها السيد العبادي ما قاله السيد اوردغان قبل سنة على خلفيّة الوجود العسكري التّركي بالقرب من الموصل، عندما طلب أردوغان من العبادي (معرفة حدوده) لأنّه دون (منزلته ومستواه). وقال: اخرس ايها القزم انك تتكلم مع تركيا العظمى. وحتما لايعتذر اردوغان عن الذي قاله، ولا يجرؤ العبادي طلب الإعتذار.