ذات مرة نشرت نصا على بحر الرمَل وبرزت فيه “فعلن” في العروض وأحيانا في الضرب بدلا من “فاعلن” , وإذا برسالة تأتيني وقيها غضب شديد , وهي تقول : “كيف تتجرأ على وضع فعلن بدلا من فاعلن”
وإحترت في الأمر , وراجعت ما كتبه الشعراء على هذا البحر ولم أجد ما يوافق قوله.
أمثال صاحبي , يمكن تسميتهم بأولياء أمور الكلمات أو الأقلام وربما الإبداع , وهم من الذين عرفوا شيئا وغابت عنهم أشياء.
والحقيقة أنهم يعبرون عن ظاهرة فاعلة في مسيرة الأمة , من أعاليها إلى قيعان وجيعها , وبحيرات نجيعها القاني.
إنها آفة تأكل وجودنا وتمعن بإضعافنا وتبرير هواننا , وتأخذنا إلى تداعيات مدمرة , ومن معطياتها الذين في السلطة , فما أن يجلس أحدهم على كرسي الحكم حتى يتوهم بأنه يعرف كل شيئ , فكأن واحدهم ولي أمر الزمان والمكان , وهو من الجاهلين المغفلين الذين بأوهامهم يعمهون.
ولهذا فالفردية متوارثة والإستبداد والطغيان يتحكم بوجودنا , ونساهم بديموته وتغذيته بما يمده بالحياة المنفلتة.
فواحدنا يرى “نفسه وبس” وإياك أن تقول لأحدهم “على عينك حاجب” , فهم شيوخ وسادة وأشراف , وعندهم القول الفصل , ولا يوجد فيهم مَن يقول “لا أعرف” , وتلك مصيبة متوارثة تكشف عن ساقيها في العديد من التأويلات والتفسيرات , من الذين يتوهمون المعرفة , وما أوتوا من العلم إلا قليلا.
” فقل لمن يدعي في العلم فلسفة…حفظت شيئا وغابت عنك أشياء”!!
هذه الهاوية المريرة , تمنع تفاعل العقول وتطور المعارف , وتنكر الإبداع والإبتكار , وتدفع بالأجيال للغرق في الغابرات , والتوهم بأن رموزها ملائكة وليسوا بشرا , وعلينا أن نقدسهم , لأننا بشر ولا نستطيع الوصول إلى مراتب الملائكة المتصورين , وهم في أجداثهم رميم.
و” العلم كالأرض , لا يمكننا أن نمتلك منه سوى القليل القليل”!!