23 ديسمبر، 2024 5:28 ص

أولى ثمار الاحتجاج

أولى ثمار الاحتجاج

ذات مرّة كتبتُ هنا عن الحركة الاحتجاجية التي انطلقتْ في نهاية تموز 2015 وشملتْ عدة محافظات بما فيها العاصمة بغداد، بما يضعها تاريخياً وسياسياً في مصاف وثبة كانون الثاني 1948 وانتفاضة تشرين الثاني 1952، بوصفهما من أهم الحركات الاحتجاجية في تاريخ العراق الحديث من أجل الحريات العامة وفي سبيل السيادة والاستقلال الوطنيين. ولا أعرف لماذا اغتاظ أحدهم من هذا الرأي ليحاول تسفيهه في مقالة نشرها على أحد المواقع الإلكترونية.
لا أظنّ أنّ مراقباً يتحلّى بالحدّ الأدنى من الموضوعية والإنصاف يُمكنه أن يقلّل من قيمة واعتبار حركة 31 تموز 2015 وقبلها حركة 25 شباط 2011، وتلك متمّمة لهذه، كما لو أنهما كانتا مجرد تظاهرتين لبضعة أنفار. حركة 25 شباط التي امتدتْ من الموصل إلى البصرة وشارك فيها عشرات الآلاف وتكررتْ عدة أسابيع، أرغمتْ رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي ذُعِر منها على إعلان حظر التجوال قبل انطلاق الحركة وعلى استخدام الرصاص الحيّ ضد المتظاهرين، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى واعتقال آخرين، مثلما حدث في وثبة 1948 وانتفاضة 1952. وحركة 31 تموز 2015 كانت أقوى بكثير واستمرّتْ لما يزيد على سنتين ونصف السنة، وشهدتْ فورات قوية بينها اجتياح المنطقة الخضراء والاعتصام عند مداخلها لأيام واقتحام مبنى البرلمان ومقارّ حكومية. وقد اضطرتْ الحكومة والبرلمان الى تبنّي أوراق إصلاحية تضمّنتْ مطالب الحركة الاحتجاجية، لكنهما لم يعملا على تنفيذ تعهداتهما. وفي الحركتين كليهما تحدّدتِ المطالب بـ: إصلاح العملية السياسية بإلغاء نظام المحاصصة الطائفية والقومية، ومكافحة الفساد الإداري والمالي، وتوفير الخدمات العامة (الكهرباء والماء والصحة والتعليم والنقل والصرف الصحي)، وتنمية الاقتصاد الوطني لتوفير فرص العمل والحدّ من مستويات الفقر والبطالة المتفاقمة، ومكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن.
الآن بدأ العراقيون بجني أولى الثمار لذلك الحراك الشعبي التاريخي، فالانتخابات البرلمانية الأخيرة أسفرتْ عن توجيه ضربة قوية للطبقة السياسية المتنفّذة الوالغة في الفساد الإداري والمالي، فالعديد من رموز الفساد والمحاصصة وخطاب الكراهية نُبِذوا تماماً في هذه الانتخابات، ومَنْ تبقّى منهم لم يستطع ذلك إلا بشقّ الأنفس، فما رأينا هذه المرة أرقاماً فلكية تصل الى 700 ألف و400 ألف و200 ألف صوت لصالح”الزعيم”.. المتبقّون جرى تقزيمهم هذه المرة إلى ما دون المئة ألف صوت.
المهم الآن الحفاظ على زخم الحركة الاحتجاجية بالبقاء في حال التأهّب لإطلاقها من جديد عند الحاجة.. والحاجة ستكون قائمة مع بدء عملية تشكيل الحكومة الجديدة، فإن لم يأتِ التشكيل بعيداً عن الصيغة السابقة (المحاصصة) وإنْ لم تتبنَ الحكومة البرنامج اللّازم للإصلاح ولتحقيق مطالب الحركة الاحتجاجية وإنْ لم توضع توقيتات محدّدة لتحقيق هذه المطالب، يتعيّن العودة الى ساحات التحرير لرفع الصوت عالياً أيضاً حتى تفعل الحكومة ما يريده الشعب أو تستقيل.