بعد نشر مقدمة كتابي الأول «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، ثم التمهيد الفكري لنفي الدين، رأيت أن أبين للقارئة والقارئ الكريمين كون نفي الدين، بمعنى نفي صدوره عن الله، يتقدم عندي على إثبات وجود الله، وأبين سبب أولوية الأول على الثاني.
من حيث المبدأ يفترض أن يتخذ كل من طرفي عقيدتي الإلهية اللادينية، أي الإلهية من جهة، واللادينية من جهة أخرى، نفس الاهتمام عندي في بحوثي. لكن الذي يهمني أكثر من إثبات وجود الله هو نفي الدين. السبب إن عدم الإيمان بالله لا يضر المجتمع الإنساني، إلا إذا تحولت العقيدة اللاإلهية (الإلحاد) إلى ما يشبه الدين في دعوى احتكار الحقيقة، ورفض كل ما سواها، لا على المستوى الفكري، بل أيضا على مستوى السلوك والتعاطي مع الآخر المختلف على نحو متطرف. وإضافة إلى قناعتي بعدم ضرر عدم الإيمان بالله، أي الإلحاد، ولا ضرر اللاأدرية، فبعقيدتي كمؤمن لاديني بالله، وفي ضوء لاهوت التنزيه الذي أعتمده، إن الله نفسه، مع فرض صحة عقيدتي بوجوده، غير مهتم بقضية الإيمان به، ولا يضع مفردة الإيمان، وفي مقابلها اللاإيمان، في ميزان جزائه في ثمة حياة أخرى بعد هذه الحياة، لا نعرف طبيعتها، ولا سبيل لنا لمعرفة ذلك.
تاريخ البشرية وحاضرها ينبئانا بمدى ما عانت البشرية من الأديان، من احتراب وقتل واضطهاد، من سلب للحريات، من انتهاك لحقوق المرأة وحقوق الآخر المغاير في العقيدة، من تعطيل للعقل، وموقف مناوئ للعلم والفن والحب والجمال والسلام. بهذا لا ننفي أن من أتباع الأديان من هم مسالمون طيبون منفتحون على الآخر، ولذا فهموا دينهم في ضوء نزعتهم الإنسانية والعقلانية، ولكن في الأعم الأغلب كان ضرر الدين هو الغالب، ولذا قلت تحويرا لإحدى آيات القرآن: «يَسألونَكَ عَنِ الدّين، قل فيه منافعُ للناسِ وإثمٌ كبير، وإثمُهُ أكبرُ مِن نفعِه».
ثم إني وجدتني قد وصلت إلى القطع واليقين بأدلة عقلية لا ريب فيها عندي، بامتناع صدور الأديان عن الله، بينما إيماني بالله فهو بنسبة 95% إيمان عقلي، وبنسبة 4% إيمان روحي، أو كما يسميه البعض وجداني، أو قلبي، وبنسبة 1% أعتمد اللاأدرية، مما يعني أني ملحد بنسبة 0,5%. طبعا هذه النسب قد لا تكون دقيقة، ولكنه تعبير تقريبي عما أنا عليه من عقيدة.
والأمر الآخر، وهو إقرار مني، وجدت كل حجج المدافعين عن الدين، عن الإسلام بشكل خاص، وعن عموم الدين، هي حجج مردودة بأدلة عقلية بِرَدٍّ وجدته في غاية البساطة والوضوح. بينما بقيت هناك أسئلة مفتوحة لم أجدني قادرا على إعطاء إجابات نهائية مقنعة لما يطرحه الملحدون واللاأدريون.
لكل ما مر جعلت الأولوية لنفي الدين على إثبات الله.