إستغرق الرئيس التركي رجب طيب أوردوغان سنوات عدة ليقرر وجهة جديدة بعد هزيمة الإخوان المسلمين المنكرة في مصر، والإنتكاسة التي واجهت التحرك المشترك الذي جمعه مع بعض دول الخليج لتغيير النظام السوري منذ عام 2011 وظل يكابر برغم نصائح بعض الشركاء الإقليميين وظل يطمح في دخول الإتحاد الأوربي والسيطرة على المنظومة العربية من شمال سوريا حتى شمال أفريقيا لكن منجزا حقيقيا على الأرض لم يحصل، وبالمقابل فقد حقق خصوم أوردوغان الفعليين كالأكراد نجاحات غير مسبوقة في سوريا، وبدلا من أن يحقق تنظيم داعش ماعجزت عنه حكومات صار الأكراد هم القوة المعول عليها أمريكيا لتغيير المعادلة الأساسية في المنطقة وتلقوا المزيد من الدعم من دول الإتحاد الأوربي الرافضة لإنضمام تركيا إليها ومن الأمريكيين الذين وجدوا إن الكرد قوة بعيدة عن الدين والصراعات المذهبية المرة وأنهم القوة المؤهلة أكثر من غيرها لتكون شريكا في مهمة تحقيق التوازن الإقليمي وكبح جماح داعش.
فشل أوردوغان في السيطرة على مصر وسوريا، ولم ينجح في العراق، وواجه تحديا مرا من السعودية والإمارات، ومنع من التوجه المباشر الى أوربا فليس من مجنون أوربي يقبل بوضع القارة العجوز تحت رحمة عشرات ملايين المسلمين الذين قد ينتج عنهم آلاف الإنتحاريين والمتشددين خاصة وإن تركيا هي دولة إسلامية يمكن لها أن تقلب المعادلة السكانية في أوربا فيما لو تم قبول طلبها الإنتماء للإتحاد العتيد وبالتالي سيكون هناك إختلال عقائدي لن يتيح لأوربا أن تستمر على تقليديتها التي تعودتها منذ قرون طويلة، وسوف يكون عليها ليس مواجهة الغزو التركي الهائل بل غزو ملايين المهاجرين الهاربين من جحيم الشرق الأوسط وهذا مالا يتيح للعواصم الأوربية أن تتقبل تركيا على المدى القريب على الأقل.
مصلحة أوردوغان أن يتقدم في علاقته مع الأمريكيين الذين تخلوا عنه لاحقا ولم يواجهوا روسيا بعد حادثة إسقاط الطائرة السوخوي على حدود سوريا، ولم يسمحوا له بأن ينقل المزيد من اللاجئين، ولم يوافقوا له على طلب رفع الفيزا بين بلاده والقارة، بل وتخلوا عنه وتحالفوا مع الأكراد، وتعاملوا معه كشريك لداعش وليس لأوربا، ثم بدا أنهم غير راغبين به كرئيس لتركيا، ومهدوا لإنقلاب كانت بصمات غربية وإقليمية وعربية واضحة عليه، وكان على الرئيس أن يقرر بين مصلحته، وبين وجود،ه ولايمكن تقديم المصلحة على الوجود، فلو قيل لرجل، أن مصلحتك تكمن في خروجك الى الشارع، لكنك قد تقتل ويذهب وجودك فإنه سيختار الوجود على المصلحة وهكذا فعل أوردوغان حين إنكفأ الى الشرق وعرف من يمكن أن يكون حليفا له، ومن هو العدو.
وجود أوردوغان مهدد وسيحميه الشرق، وليس الغرب فالغرب يعتمد المصلحة، بينما في الشرق يمكن له أن يجد بعض الأصدقاء الذين لايطالبونه بالكثير، ويساعدونه في الصمود.