سأدرس الموسيقى…امام وجه والدتها الذاهل..وملامح مربيتها التي تحاول فهم الموضوع…قالت ناديا هاتين الكلمتين…سأدرس الموسيقى.عبثا حاولت الوالدة اقناعها بالعدول عن رأيها هذا وتكملة دراستها علميا او ادبيا خاصة وانها كانت متميزة جدا في السنوات الاخيرة.ولكنها ابت الاصغاء..وقالت بأنها وجدت نفسها في الموسيقى..وكما تتناسق النوتات ترتسم امامها خيارات حياتها القادمة…رجت ناديا والدتها ان لاتقف في طريق حلمها هذا.ادركت الوالدة ان ابنتها لم تكن مندفعة في قرارها…بل هو خيار اتخذته عن دراية وتفكير…ولمست بإحساس الام نضجا مبكرا في مخيلة فتاتها جعلها توافق وتبارك هذا الاختيار.تراقصت اصابع البيانو…تمايلت اوتارالكمان..وتعاقبت الايام.قالوا ان الموسيقى غذاء الروح…ولكني اقول ان الروح الشفافة هي من تغذي الموسيقى..ولولا رقة العازف لأصبحت كل النغمات محض ضجيج.وهل هناك ارق من ناديا ؟في كل يوم يمر..اندهش اساتذتها وزملائها من موهبتها النادرة..وكان مستمعيها يحارون بين الاستماع الى عزفها او النظر الى ملامح وجهها عندما تعزف…كانت تلتمع عيناها بشغف مثير..وتفتر شفتاها عن ابتسامة يانعة…فتنساب منها النغمات بعفوية ساحرة….كانت ناديا مع كمانها تحاكي فينوس في ملكوتها.قلبها….عرف سلاما لايدركه الكثيرين في عمرها…فقد وجدت ذاتها..وتصالحت معها.مؤسف كيف يقضي العديد منا عمرا بأكمله باحثا عن ذاته ولا يجدها…وطوبى لتلك الطفلة التي سبقتنا بأجيال.بالرغم من اجماع كل من عرفها على حبها واحترامها إلا انها بقت بدون صديقة او صديق مقربوكأن كل من حولها من البشر خافوا من الامتزاج بكينونتها الملائكية.كانت تستمع اليهم..تمسح دموعهم..تكتم اسرارهم..وماتزال …هي…وحيدة.انهت دراستها الاولية..وشعرت بإنها بحاجة الى ان تصقل موهبتها اكثر.فقررت ان تكمل بالانضمام الى معهد الموسيقى العالي.وفي يوم الاختبار..ارتدت ناديا ثوبا اسود..وتركت خصلات شعرها تنسدل على كتفيها العاريتين…وكم كانت تبدو بشحوبها وهدوءها مخلوقا خياليا لاينتمي لواقعنا.لم تشعر بأي توتر وهي تعزف مقطوعتها المفضلة امام لجنة القبول…بل كانت هي…كما هي…موسيقية بالفطرة…انسجمت وحلقت مع الانغام…دون اي شعور بالعالم الخارجي حولها…حتى استفاقت من غيبوبتها اللذيذة على صوت تصفيق اللجنة بحماس شديد لها….وعلمت عندئذ انها قد نالت استحسانهم…وتم قبولها في المعهد.