تساقطت اوراق الاشجار وعادت فأينعت ..ثم تساقطت…وعادت ازهرت..ثم تساقطت…واخضرت مجددا…توالت الفصول وناديا واقفة في نافذة غرفتها..كان كل شئ حولها يتغير…يتجدد.يموت ويعود للحياة…ما عداها هي..كانت ..كما هي..منذ سنوات لاتعرف عددها.كان يومها يبدأ بفطور هادئ
مع والدتها..ثم قبلة….ثم المدرسة…ثم قبلة اخرى..وتعود الى نافذتها….حتى في احلامها لم تكن تر شيئا سوى نافذتها.لم تعد المدرسة تشتكي..توقف الهاتف عن الرنين..انقطع صدح الاسطوانات….اختفت الاساور وحمرة الشفاه…وعادت الكتب والاوراق تتناثر هنا وهناك في ارجاء المنزل.بالرغم من رضا والدتها على شخصيتها المتزنة..ولكنها كانت تخفي بداخلها قلقا ابويا صادقا….فلم تكن ناديا تعيش مراهقتها..بل كانت قلب هرم في جسد فتي.ابدعت صديقتنا في دروس اللغةوالعلوم واعطتها جل اهتمامها حتى تنبأ الجميع لها بمستقبل علمي زاهر.كان يوما شتائيا مشمسا…وكانت الفتيات ينتظرن بشغف حصة الموسيقى بينما شغلت ناديا نفسها بقراءة كتاب..استفاقت من شرودها على صوت ذكوري لم تسمعه اذنيها سابقا…تركت كتابها وامعنت
النظر…كان يقف امامها كهل وقور تجاوز الستين او هكذا خمنت…كان هذا استاذ الموسيقى الجديد …الاستاذ عبد الحميد..توقعت ان يبدأ بالكلام والكلام…شأنه شأن اي استاذ جديد يحاول اثبات نفسه في الدقائق العشر الاولى من الدرس..ولكنها فوجئت به يفتح حقيبته ويخرج منها كمانا انيقا..احتضنه بود واخذ يداعب اوتاره فينسج موسيقى سماوية لم تسمعها سابقا في حياتها..وعند انتهائه من العزف…صفقت كل الفتيات له….إلا ناديا…فقد كانت مشغولة بالبحث عن منديل لتجفيف دموعها.دموع غريبة…ليست دموع الحزن ولادموع الفرح التي خبرتها سابقا بل دموع جديدة لأحساس جديد.عادت الى منزلها في ذلك اليوم فرحة…تدندن الحانا من تأليفها وتقفز كمهرة عرفت لأول مرة معنى الربيع.استغربت والدتها هيئتها تلك…فأين اختفت سويدائها المعهودة ؟ ولم تعرف سببا لفرح ابنتها
ولكنها وكأي ام فرحت بدورها.كان الاسبوع بالنسبة لناديا يومين فقط…الثلاثاء والخميس …موعد درس الموسيقى..دأبت على انتظار الثلاثاء …وعندما يأت …تنتظر الخميس بملل.عاد تألق الشباب ينير وجهها الجميل…ودوى في منزلها صدى ضحكاتها مرة اخرى.بعد ان كانت تهمل درس الموسيقى وترى انه يتطفل على باقي الدروس العلمية..اصبحت تعشقه…بل وابتدأت تتعلم العزف على الكمان..وكم كانت خرقاء في بداياتها ولكنها استمرت وثابرت حتى حققت تقدم اثار اعجاب استاذ عبد الحميد بنفسه.ذات يوم…كانت تحاول كمبتدئة اتمام مقطوعة موسيقية شهيرة..تلكأت قليلا…فإندفع استاذ عبد الحميد لمساعدتها…وقف خلفها…امسك بكتفيها …وقال…تعلمي احتضان الكمان.شعرت ناديا بنبضات قلبها متسارعة خفاقة حتى خشيت ان تسمعها زميلاتها…ادركت في تلك اللحظة فقط…ان عبد الحميد
ليس مجرد استاذ الموسيقى بالنسبة اليها…بل انها تحبه…وما احبت الموسيقى إلا لأنها احبته …هو…..
يتبع