قبل أن يفض رئيس الوزراء حيدر العبادي مغلفه في مجلس النواب فيتبين لهم المرشح الأبيض من المرشح الأسود من التكنوقراط كان زعيم الصدريين قد فض اعتصامه وغادر خيمته عائدا الى الحنانة محروسا برعاية وحفظ رتل طويل من الجكسارات، أما أتباعه الذين كانوا يهتفون منذ قليل من أجل إصلاح شامل فقد انشغلوا بالتدافع لاقتسام مقتنياته التي تركها لهم في خيمته للتبرك وطلب المراد بأن تستطيع الحكومة الجديدة إيصال الدقيق والسكّر لعوائلهم رغم أنها لم تتضمن تعيين وزير للتجارة بدل وزيرها الهارب منذ خمسة شهور على خلفية قضايا فساد، فمحتويات خيمة الزعيم أهم من محتويات مضروف العبادي المنتظر منذ أيام من الاعتصامات واشهر من التظاهرات وسنين من الفساد وهدر المال العام.قدم العبادي تشكيلته الوزارية الى البرلمان في مغلف يتضمن قائمة بأسماء وزراء حكومة جديدة استثنت وزارتي الداخلية والدفاع بسبب الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد وفقا للتبرير الذي طرحه العبادي في جلسة برلمانية رفعها رئيس المجلس بعد لغط دار بين النواب، فهذه الأسماء تحتاج الى وقت لدراستها وهو عامل لم يشغل زعيم الصدريين ربما لأنه كان على علم بالأسماء التي وردت في مغلف العبادي ولا يحتاج لدراستها مما دفعه لفض الاعتصام لمجرد وصول العبادي حاملا مغلفه الى مجلس النواب . واحتمال أن (له علم) يحمله مسؤولية سلوك أعضاء التشكيلة الجديدة خلال المرحلة القادمة خاصة وأن التسريبات حول (ماضٍ) لبعض الأسماء لا يبشر بنزاهة، أما اذا فض الإعتصام ولا علم له بهذه الأسماء فالمصيبة أعظم العبادي يعتبر ألتغيير شاملا وليس جزئيا وهو ينطلق في ذلك من أن جميع الأسماء تغيرت، هذه أول ورقة تسقط سهوا أو عمدا من مغلفه فالموضوع ليس موضوع أسماء بل موضوع كتل تقف وراء الاسماء بشكل مباشر كما كان يحدث طيلة السنين الماضية أو بشكل غير مباشر كما في هذه التشكيلة وفقا لكلام العبادي نفسه عندما قال وهو يرفع مغلفه أمام النواب أنه لايريد التقاطع مع الكتل . مع ذلك، عندما يكون التغيير شاملا، عندما تكون كل الحكومة بحاجة للتغيير فما الفائدة من بقاء العبادي الذي كان يرأسهم كل هذا الوقت؟ اذا كان طاقم الأسنان كله بحاجة لشلع وقلع فما فائدة بقاء سن العقل؟الورقة الثانية المهمة التي سقطت، عمدا هذه المرة، أن التشكيلة لم تتجاوز المحاصصة بكل أشكالها اذ قال العبادي في كلمته أمام البرلمان أنه راعى تمثيل المكونات في تشكيلتة انطلاقا من احترامه للدستور الذي اشترط مراعاة هذا الجانب . مراعاة المكونات تعبير حاول الدستور من خلاله التمويه على مبدأ المحاصصة التي كانت سببا في كل هذا الخراب ولو كنا عراقيين بالقدر الكافي لأسعدنا وزير نزيه وكفوء دون النظر الى طائفته، بل أن مجرد قبول الوزير بالمنصب ممثلا لطائفته لا لشعبه ومجرد قبولنا به لأنه يمثل طائفتنا أو قوميتنا يغرقنا جميعا في مستنقع الطائفية، هل يشترط الدستور ذلك؟ نعم، وهذه مسؤولية المتظاهرين أو مسؤولية زعيمهم إن لم يكن لهم رأي مع رأيه فقد كان عليهم أن يُضمّنوا مطالبهم تغيير الدستور حتى لو اقتضى ذلك استفتاء شعبيا أو على الاقل تفعيل عمل لجنة تعديل الدستور التي شُكلت بعد الاستفتاء عليه واضمحلت ونسيها مجلس النواب مع الايامالورقة الثالثة .. الإفلات من العقاب . كان على المتظاهرين أولا أن يعتبروا محاسبة المقصرين جزء من الإصلاح، أن يحاسب المقصر بتقصيره والفاسد بفساده وعلى العبادي ثانيا أن يطالب مجلس النواب بإيلاء هذا الموضوع ما يستحقه من الإهتمام فالموضوع لا يحتمل اكثر من حالتين: مقصر يستحق العقاب وبريء من حقه أن يرفع دعوى قضائية بسبب الضرر الذي لحق بسمعته .لم يعلق كثيرون آمالا على هذه الضجة التي حدثت – وأنا منهم – ويغلب اعتقادنا أن الحكومة بوزرائها ورئيسهم ليست إلاجهازاً تنفيذيا لنظام قائم وضعت أسسه بموجب دستور شرعته كتل سياسية تُسيّر الحكومة والبرلمان بما ينسجم ومصالحها المرتبطة بمصالح اقليمية ودولية وأن التغيير لا يكون مع بقاء هذه الكتل والدستور الذي جاءت به وأن التظاهرات التي بدأت بهذه المطالب اكتُسحت قبل أن تستفحل من قبل مجاميع لا رأي لها، إعتصِموا يعتصمون أو انفضوا ينفضون مع بعض النشطاء الهامشيين لأغراض التزويق وكان من السهل احتواء البيدق الرئيسي ليسهل توجيه أحجار اللعبة كلها في الوقت المناسب .. أحجار لم تسأل حتى لماذا غير الطبيب رأيه بعد إبرة التخدير واكتفى بحشوة مؤقتة بدل الشلع والقلع الذي صدع رؤوسنا به