22 ديسمبر، 2024 11:56 م

أهمية دور المنظمات غير الحكومية في مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية

أهمية دور المنظمات غير الحكومية في مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية

من الواضح إن الاقتصاديات التي تعتمد على ريع الثروات الطبيعية في تمويل البرامج الإنمائية والإصلاحية، تتميز سياسات الإنفاق العام فيها بالتراخي نظرا للوفرة المالية، وفي غياب قواعد الكفاءة الاقتصادية والحساب الإقتصادي والرقابة والمساءلة، تتولد بذور الفساد الاقتصادي ومع بذور الفساد تنشأ الأنظمة الشمولية والتنظيمات الخارجة عن القانون، ومن هنا كانت الضرورة ملحة لإيجاد قواعد ومحددات تلزم الدول والشركات لمتابعة تدفق الأموال ومراقبتها.

في عام 2002، وفي مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة الذي انعقد في جوهانسبرج, أعلن رئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) عن مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية “EITI” بعد مبادرات وضغوط لشبكات دولية من المنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة المتعددين لوضع إستراتيجية فاعلة تستند الى ترتيبات حوكمية متعددة الأطراف تشمل (الدولة والسوق والمجتمع المدني), وتتضمن الالتزام الطوعي للبلدان المنظوية في المبادرة بالإفصاح الدوري والمنتظم عن بيانات مدفوعات إيرادات الموارد المستلمة من الشركات والحكومات، ومهمتها توفير أعلى قدر من الشفافية والمساءلة وحوكمة الصناعات الاستخراجية، خاصة فيما يتعلق بالترتيبات المالية. وقد تم تنفيذ “مبادرة “EITI من قبل(55) دولة، وحظيت بدعم اغلب الشركات الاستخراجية الكبرى، ومجموعة واسعة من البلدان المانحة والمستثمرين.

ولعل ما يحفز مشاركة المنظمات غير الحكومية في “مبادرة “EITI ، وسعيها إلى الابتكار لتحقيق أهدافها, هي الرؤية العالمية للمبادرة, والآراء المتباينة فيما يتصل بقيمة مشاركة المنظمات غير الحكومية. وعلى الرغم من أن الحكومات والشركات سعت في كثير من الأحيان إلى تقييد نفوذ المنظمات داخل مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، إلا أن الكثير من الناشطين المدنيين وغير الحكوميين للمبادرة نظروا إليها على أنها ليست أكثر من مجرد وسيلة لترويض المعارضة واستقطاب المنظمات غير الحكومية.

لقد اتضح في العديد من البلدان أن المنظمات غير الحكومية لديها الدافع للمشاركة في المبادرة لأسباب مماثلة لتلك المحددة في الأدبيات العامة حول المنظمات غير الحكومية وحوكمة أصحاب المصلحة. حيث تسعى المنظمات إلى توسيع “مبادرة EITI” ضمن اطار عملها المحدد والابتكار ضمن ما تسمح به لوائحها وقواعدها، في حين تأمل أيضًا في الاستفادة من المبادرة للمشاركة في محادثات سياسية أوسع حول الصناعات الاستخراجية ومدى تطبيق معايير النزاهة والشفافية. وهذا يتطلب موارد وقدرات وقدرة على التحمل. وعلى الرغم من أن المنظمات غير الحكومية تلعب أدوارًا مهمة في تعزيز الابتكار في مجال الحوكمة والتحول الأوسع في إدارة الصناعات الاستخراجية، فإن هذا يحدث بشكل أساسي عندما تتمتع المنظمات غير الحكومية بتمويل آمن ومستقر نسبيًا، وهيئات مستقرة من الموظفين الخبراء، والعلاقات مع منظمات مجتمعية أوسع تطالب بنفس أنواع الابتكار التحويلي ضمن التغييرات التي تحوِّل النظام بأكمله إلى إطار عمل جديد، يتم إنشاؤه ليكون قابلاً للتطبيق في المستقبل .. وهذا بدوره له آثار على استراتيجيات الجهات المانحة التي تسعى إلى دعم التغيير الكبير من خلال “مبادرة EITI” والهيئات المماثلة التي يعتمد نجاحها على المنظمات غير الحكومية ومشاركة المجتمع المدني الأوسع.

إن مشاركة المجتمع المدني في الحوكمة متعددة الأطراف قد تصاعدت منذ تسعينيات القرن الماضي استجابةً لفشل الحكومات والشركات في التنظيم الذاتي والتعبئة الشعبية لإشراك المواطنين, والحاجة لإضفاء شرعية أكبر على عمليات الحوكمة. وقد تضاعفت مثل هذه المساحات للسماح بمشاركة المنظمات غير الحكومية, وبالتالي فإن “مبادرة “EITI هي واحدة من مجموعة متنوعة من منصات الحوكمة متعددة الأطراف، وتحديدًا, هي واحدة من تلك المجموعات الفرعية الأصغر من المنصات التي تؤدي وظيفة المصادقة التي تنطوي على مراقبة كبيرة لنشاط الشركات, وهي مهمة أيضا لتركيزها على مدفوعات الضرائب المتعلقة بالصناعات الاستخراجية أي أنها تسعى إلى تحقيق الشفافية حول الأنشطة الأكثر أهمية للإيرادات الحكومية، والاستثمار الأجنبي المباشر، والفساد الحكومي. وبهذا المعنى، فإن الأهمية الاقتصادية السياسية المحتملة لمبادرة الشفافية أعظم بكثير وأكثر حساسية من تلك التي تتمتع بها معظم المنصات الأخرى متعددة الأطراف.

يتمثل دور المنظمات غير الحكومية في منصات أصحاب المصلحة لـ “مبادرة “EITI, هو في المشاركة برسم الاستراتيجيات المستخدمة لتحقيق الأهداف, ومعالجة العوامل التي قد تحد من نجاحها أو قدرتها على إحداث التغيير. وفي العديد من المبادرات، كان الأساس المنطقي العام الذي تم تقديمه لتبرير مشاركة المنظمات غير الحكومية هو أنها تستطيع تقديم ابتكارات أو تقديم مطالب قد تكون غائبة عن المناقشات الثنائية بين الحكومات والشركات, ويمكن ان تلعب المنظمات دورا حاسما في “وضع المعايير الاجتماعية والبيئية، ومراقبة الامتثال، وتعزيز إعداد التقارير والتدقيق الاجتماعي والبيئي، والتصديق على الممارسات الجيدة، وتشجيع الحوار بين أصحاب المصلحة و”التعلم الاجتماعي”، كما يمكنها المساعدة في توفير قنوات لحوار أكثر شمولاً, والحلول أو المعلومات البديلة، خاصة في السياقات التي قد تكون فيها المؤسسات الديمقراطية ضعيفة أو غير كافية. وبالتالي، تعد منصات أصحاب المصلحة ساحة مهمة “للتفاوض التكاملي والتعلم الاجتماعي”. ويمكن للمنظمات غير الحكومية الاستفادة من أنواع مختلفة من السلطة الممنوحة في هذه المجالات ومساحات المناورة التي تمتلكها سواء من خلال التفاوض على التنازلات، أو عن طريق حجب المشاركة والامتناع عن التصويت عند إقرار القرارات، أو أن غيابها أو انسحابها سيلفت انتباه الجمهور. وعلى الرغم من أهمية هذه الأدوار، فقد تقرر بعض المنظمات غير الحكومية عدم المشاركة في اجتماعات أصحاب المصلحة في هذا المجال على وجه التحديد, لان غالبا ما تكون المشاركة في اتخاذ القرارات وخاصة في الدول التي تحكمها أنظمة فاسدة تنظر الى مثل هذه المبادرات نظرة هامشية ليست ذات أهمية, ولأنها لا تريد إضفاء الشرعية على القرارات المتخذة من الشركات، وأيضا كي تتجنب خطر الاستقطاب.