23 ديسمبر، 2024 6:13 م

أن يبادر العرب وليس ينتظرون

أن يبادر العرب وليس ينتظرون

هناك الکثير من الجوانب السلبية في النشاط السياسي العربي، ويصل بعضها الى حد إعتباره خطئا فادحا و ذو تأثيرات سلبية على الواقع، لکن من أهمها و في مقدمة هذه الجوانب السلبية هو کون العرب لايأخذون بزمام المبادرة وانما ينتظرون کي يحددوا مواقفهم على اساس ماستؤول إليه الاوضاع.
من يأخذ بزمام المبادرة و يلعب دورا رئيسيا في صناعة القرار او الاتجاه السياسي، فسوف يطعم هذا القرار او الاتجاه بمايخدم مصالحه و أهدافه الخاصة، والطرف او الاطراف الاخرى التي ستنساق او تنجرف مع مستجدات و تداعيات ذلك القرار او الاتجاه انما ستساهم بشکل او بآخر بخدمة مصالح الطرف الذي يقف خلف ذلك القرار او الاتجاه السياسي، وان إلقاء نظرة على واقع الصراع العربي ـ الصهيوني و على العلاقات القائمة بين العرب و النظام الايراني، تؤکدان هذه الحقيقة و تجسدانها أفضل تجسيد.
لقد کان الکيان الصهيوني دائما هو الذي يبادر فيما يقوم العرب بالتعامل و التعاطي مع مبادراته وعلى الرغم من الحيطة و الحذر العربي، لکن لامناص من الاعتراف بأن الصهاينة نجحوا و بذکاء في إستدراج العرب الى متاهاة و مفترقات تخدم في النهاية مصالحهم و أهدافهم. أما النظام الايراني، فقد کان ومنذ اليوم لمجيئه هو المبادر لإتخاذ القرارات السياسية الهامة التي تحدد من هيکلية و بنيان الاوضاع القائمة فيما يخص شؤونه و أموره الداخلية و مايقابلها على صعيد دول المنطقة.
التغلغل في الدول العربية و التدخل في شؤونها الداخلية، هو من أهم المعالم السياسية للنظام الايراني الى الحد الذي يمکن إعتباره واحدا من الاساسات الرئيسية التي يقف عليها، في الوقت الذي لانجد أي حضور او دور عربي في الداخل الايراني، ولئن کان هنالك دور و حضور غربي و اسرائيلي في داخل إيران و عدم وجود مايقابله إيرانيا في داخل هؤلاء، فإن المثير للسخرية کثير هو أن النظام الايراني الذي يعجز عن مواجهة و مجاراة خصومه الاشداء، يلجأ الى أطراف اخرى لم تسبب له أي ضرر او أذى، وان دور النظام الايراني في العراق و سوريا و لبنان و اليمن و غيرها من البلدان العربية يؤکد هذه الحقيقة و يجسدها أفضل تجسيد.
النظام الايراني الذي أنشأ حزب الله اللبناني و أحزابا أخرى بنفس الاسم للبلدان العربية الاخرى، قد أسس أيضا المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، کما زرع المئات من الخلايا النائمة في البلدان العربية و الخليجية منها على وجه الخصوص، لم يقم العرب في مواجهة هذه التدخلات السافرة و المشبوهة ولو بمجرد خطوة واحدة للأمام لکي يجعلوا من جانبي المعادلة متساويين على أقل تقدير، وانما ظلوا يتعاملوا و يتصرفوا کما يريد و يرتأي النظام الايراني، وهذه الحالة قد کانت قائمة و مهيمنة على الواقع العربي حتى الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري عندما قام البرلمانيون الاردنيون و في خطوة نوعية جريئة و مقدامة برفض هذه الحالة عندما بادروا الى إعلان دعم أغلبية البرلمان الاردني للمقاومة الايرانية و طالبوا بالافراج عن الرهائن السبعة الذين أختطفتهم قوات حکومة المالکي بنائا على أوامر النظام الايراني و توفير الامن لسکان ليبرتي.
المبادرة الاردنية الطموحة التي تعکس و تجسد طموحات و تطلعات شعوب المنطقة، تضع حدا للتعامل الفوقي للنظام الايراني مع الامور و تضع في مواجهته خيارا آخرا يتمثل التعامل الواقعي و الوجداني مع الامور، ذلك أن دعم المقاومة الايرانية التي تعبر عن آمال و أماني الشعب الايراني، انما يعني الارتقاء بالتعامل السياسي العربي للأمام و إخراجه من بوتقة الجمود و التبعية و الذيلية، وهو مايجسد بطبيعة الحال الانقلاب على الاسس و المفاهيم التي حددها النظام الايراني کأساس للتعامل بينه و بين دول المنطقة.
لقد آن الاوان للدول العربية أن تبادر بدلا من أن تقف في صفوف المتفرجين بإنتظار ماستقود إليه الامور و الاوضاع، وعلى هذه الدول أن تأخذ من المبادرة الاردنية الکثير من المعاني و العبر و الدروس وان تحذو حذوها بإعلان موقفها الداعم للمقاومة الايرانية، ذلك أننا و کما تعودنا دائما في الحرکة الخيرة البرکة وکما يقول المثل الصيني(أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة).
[email protected]