مع استمرار تفاقم أزمة تجهيز الطاقة الكهربائية في العراق التي حار المواطن في تفسير عدم قدرة الأجهزة الحكومية على معالجتها وفشل الحلول الكثيرة والمعلنة بالرغم من التخصيصات المليارية التي انفقت عليها طوال السنوات التي تلت سنة الاحتلال ٢٠٠٣.. فهل هناك – يا ترى – ما يشير إلى نجاح تفكيك هذه الأزمة وطي صفحة معاناتها وإنهاء رحلة استنزاف الموارد المالية الكبيرة المسخرة لتأمين طاقة كهربائية مستقرة تلبي متطلبات الحياة الأساسية (بالحد الادنى) للمجتمع؟
الدلائل، إلى الآن، وعلى وفق التدابير المعلنة تؤشر إخفاقاً واضحاً في وضع ما هو حاسم لإيقاف مسارات التدهور التي أصابت جوانب عمل المنظومة الوطنية للكهرباء كلها، بدءا ًمن عدم توفر كامل كميات الوقود اللازمة لتشغيل مكائن توليد الكهرباء التي لازالت تعتمد على الغاز المستورد من إيران إلى عدم إنجاز معالجة حالات الاختناق التي تعاني منها شبكات النقل والتحويل والتوزيع، منذ زمن بعيد…..
ثلاثون عاما مرت على بدء أزمة الكهرباء عندما ظهرت ملامح الانتكاس الواضح في أداء المنظومة الكهربائية العاملة، مع بداية العدوان على العراق سنة ١٩٩١ بعنوان ما أطلق عليه (عاصفة الصحراء) التي ألحقت دمارًا شبه شامل بمكونات الشبكة الكهربائية الوطنية قدرت أضراره (في حينها) بنسبة تجاوزت الثمانين بالمئة أصابت المعدات والأجهزة المختلفة الخاصة بإنتاج ونقل الطاقة الكهربائية، وحتى شبكات ومحطات التوزيع الثانوية وما تبع هذا العدوان الواسع من تطبيق الاجراءات القاسية والقذرة للحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق مستندًا إلى القرار الأممي ذي الرقم (٦٦١) الذي بموجبه حرمت مؤسسات الدولة المختلفة من تأمين متطلبات عملها التي تعتمد على استيرادها من الخارج وكذلك ترميم منشآتها المتضررة نتيجة ما لحق بها من دمار في أثناء العمليات العسكرية (القصف الجوي والصاروخي) التي طالت سائر البنى التحتية في البلاد، ومع استمرار هذه الإجراءات حتى سنة الاحتلال ٢٠٠٣. وعلى الرغم من الجهد الوطني الكبير المسخر لصالح استمرار عمل المنظومة الكهربائية إلا أنها لم تصل إلى حالة التعافي الكاملة لتكون قادرة على تلبية كامل الطلب على الطاقة الكهربائية مما حدا بالمعنيين في قطاع الكهرباء، آنذاك، إلى وضع جداول القطع المبرمج وتطبيقها بهدف تعويض النقص الحاصل في قدرات الوحدات التوليدية ومواجهة الزيادة في الاحمال السنوية.
استمرت معاناة المواطن من تبعات عدم استقرار التيار الكهربائي إلى ما بعد الانتهاء من العمليات العسكرية في نيسان سنة ٢٠٠٣ والخاصة بحرب تنفيذ القانون الأميركي (تحرير العراق) سيء الصيت، إذ
وقع الكثير من (المتفائلين ) في شرك الوهم وكانوا ضحية الوعود الوردية للمحتل والمطبلين له عندما جلسوا في محطة انتظار طويل لمرحلة تطوى فيها صفحات الأزمات المختلفة التي خلفها الحصار الاقتصادي، وفي مقدمتها سوء خدمة تجهيز الكهرباء معلقين الآمال على إيقاف إجراءات الحصار القاسية وتوافر الأموال الكبيرة من العملات الصعبة التي سوف تؤمنها صادرات العراق النفطية، فكان الاحباط نصيبهم بعد أن تبددت أحلامهم عندما أيقنوا حقيقة الاحتلال وأهدافه وبعد أن تكشفت نيات أدواته الرخيصة التي نصبها لتكون سلطة تابعة له تخدم مصالحه الشريرة.. سنوات مضت والمواطن العراقي ينتظر انفراجا ًلازمة الكهرباء المتفاقمة التي رافقت حياته بتداعياتها كلها طوال تلك السنوات التي أطلقت فيها الوعود الزائفة وأنواع جرعات التخدير من دون أية نتائج تبشر بإزالة هذه الأزمة من جدول الأزمات العالقة…
ثلاثة عقود متعاقبة ولم تؤد الحلول (المنقذة) إلى حسم هذا الأمر ولم يظهر المارد القادر على طي صفحات هذا الملف الذي طال انتظاره، فهل سوف يأتي، أخيراً، بعد هذه السنوات الطويلة…. يقينًا إذا قدم متأخرا ً أفضل من غيابه أبداً.