أفلت المتلقي من سطوة التلفزيون وصار يتابع بشكل مباشر كل الاحداث بل ان عدداً كبيراً من المتابعين العاديين يملكون تفاصيل الاحداث الخطيرة والحساسة قبل المحررين في غرف الاخبار التي تتأخرلأسباب تتعلق بتحري الدقة، فيحدث كثيراً ان صديقاً او اخاً يعمل في دائرة صانع قرار فيخبره بالتفاصيل او ان صانع القرار بنفسه ينشر تفاصيل الحدث ما يشكل احراجاً لجهة صناعة الخبر القائمة على عنصر السبق وهو الامر الذي اجبر القنوات على اللعب في الخط الخلفي المتمثل بشرح تفاصيل التداعيات والحيثيات وهذه مرحلة حولت التلفزيون بطريقة ما الى عمل الجريدة التي احرجها التلفزيون في بداية عمله واجبرها من خلال النقل المباشر الى اللجوء للخوض في تفاصيل التفاصيل لانها مضطرة الى اخذ وقت طويل في التحرير والتحضير والطباعة .
طبيعة العمل في غرف الاخبار مبني على اولوية تحري المصداقية حفاظا على الثقة القائمة مع الجمهور لذا فان ذلك يستغرق وقتاً وهذا الوقت في ظل عالم بات صغيرا جدا بسبب هذه الالواح المضيئة التي نمسك بها طوال الوقت بأيدينا (اجهزة التفلون او الاي باد ) فان الساعة عند المتلقي باتت دهرا . مواقع التواصل الاجتماعي (السوشيل ميديا ) تقضم تدريجيا مساحة النشرات الاخبارية وتتمدد على حسابها وهذا واضح تماما من خلال لجوء الفاضائيات ذاتها الى الترويج لاخبارها ونشراتها وبرامجها على هذه المواقع وتحديدا تويتر وفيس بوك عدا ان المعلنين صارو يفضلون السوشيل ميديا على حساب التلفزيون لسرعة فاعليتها. امام هذه الحقيقية ماذا نستنتج ؟ والجواب يتعلق بالنتائج قطعاً، وماذا يعني ذلك ؟ المطلعون يعرفون أن التلفزيون محرقة أموال ولاتجد في هذه الحياة عاقلاً يحرق امواله، لذى فأن المجنون وحده بأمكانه ان يفعل ذلك ولاتجد مجنونا اكبر من السياسي ومن هذا نستنتج ان التلفزيون كوسيلة مثقفة واداة تنهض بالوعي من خلال برامج هادفة فأنه يستمر اما بالاعلان او بالمال السياسي وفي الحالتين هناك تثقيف لمشروع معين يصنع وعياً باتجاه محدد وتراجعه (التلفزيون) لجهة وسيلة اخرى (السوشيل ميديا ) تعمل بنظام فردي مختلف تخطته بمراحل لجهة صناعة وعي بأتجاهات مختلفة تجعل صناعة الوعي غير مرتبطة به بل بالمتلقي نفسه عبر مايختار من مواضيع ومعلومات بشتى الطرق دون ان تخضع لاي تحليل بيانات وهو الامر الذي ساهم على علته في منح المتلقي ثقة كبيرة بقدرته على التحليل الذاتي ومن ثم اتخاذه لقرارته لجهة مايدور من حوله من احداث بتأثيرات أقل من تأثيرات التلفزيون .هذا التحول سينتج تدريجياً وعياً مختلفاً عن الوعي السابق الذي كانت تحدده محطة تلفزيونية او اكثر لانه وعياً فردياً او وعياً لمجموعات اقل بكثير من المجموعات التي كانت تشكل وعيا موحدا باعتبارها جمهورا لتلفزيون ما .كما ان السوشيل ميديا تعمل بقيود اخلاقية اقل من تلك المفروضة على التلفزيون لجهة الانظمة والقوانين فيما له علاقة بالخصوصية او تحمل المسؤولية القانونية لسهولة النشر فيها حتى بعناوين وهمية بالصورة والصوت وهو ما يستحيل في التلفزيون دون تبعات اخلاقية وقانونية لان المحطة التلفزيونية لها مكان وهوية معلومة . وهذا ينبئنا بأن انسان المرحلة المقبلة اكثر قوة وقدرة على تحليل البيانات بذاته ولن يكون من السهولة بمكان خلق وعي جمعي بعيد عن الحقيقة .وهذه رسالة الى السياسي الذي يحرص ان يكون له جمهور بأن يلتفت الى ان يكون دقيقا في مساره ودقيقاً فيما مايعلنه من مواقف لانها ستكون محط مراجعة وتدقيق من قبل الجميع ليس على سبيل الاهتمام بمبادءه بل على سبيل التسلية بماقاله وما حاد عنه .