23 ديسمبر، 2024 2:02 ص

أنقذوا الشهادات العراقية

أنقذوا الشهادات العراقية

تشير الدراسات التنموية والاجتماعية ان اهم معيار يقاس به تقدم البلد هو التربية والتعليم والثقافة . وكان العراق في سبعينيات القرن الماضي من اكثر البلدان في الشرق الاوسط تقدما في مجال التربية والتعليم حسب تقرير اليونسكو . وكانت الجامعات العراقية آنذاك من الجامعات الرصينة في العالم وشهدت قاعاتها طلبة عرب واجانب حرصوا على الدراسة فيها . وكان للبعثات العلمية الى اوربا دور كبير في ارساء معالم التعليم العالي . والى جانب ذلك فقد خطا العراق في ذلك الوقت خطوات جادة في محو الامية .
ما الذي حدث بعد ذلك .. ؟! . في ثمانينات القرن الماضي وعلى الرغم من واردات النفط الكبيرة . شهد العراق تراجعا كبيرا في التعليم . وكان السبب الابرز في القضية تسلط النظام الشمولي على الحياة العامة في العراق ومنه التعليم حيث قام بادلجة التعليم وعسكرته بعد قيام الحرب العراقية الايرانية وارتباطه بالحزبية فكانت الاشارة الواضحة في هبوط التعليم وخاصة التعليم العالي . وتشير الدراسات ان التعليم العالي تراجع بنسب متدنية في جامعة بغداد التي كانت رائدة في مجال تأهيل الكوادر العلمية حيث انخفض استيعابها للطلبة الى 31بالمئة خلال 1982- 1983 وكذلك الحال بالجامعات الأخرى .
واخذت الشهادة الجامعية العراقية بالتراجع جراء الاساليب التي فرضها النظام في نيل الشهادة العليا لتبدأ بوادرها ذلك بأيفاد الطلبة العراقيين الموالين للنظام ومن يحمل درجة حزبية كبيرة الى الدول الاشتراكية في اوربا التي كانت تطمع بأتفاقيات اقتصادية مع العراق والحصول على مكاسب كثيرة . مما حدا بها وبتوجيه ضمني لجامعاتها بمنح شهادة الماجستير والدكتوراه بسهولة دون مراعاة لقدسية العلم واخلاقيات التعلم والأمانة العلمية . وكان هذا الاساس المؤسس لنوعية تعليم في جامعاتنا . وعاد هؤلاء يحملون شهادات علمية عليا لجامعاتهم التي بدورها منحتهم مناصب علمية . ليبدأ فصل جديد وبشكل آخر من أشكال التعليم الجديد في العراق . وفي تسعينيات القرن الماضي وبعد حرب الخليج شهدت تلك الفترة هجرة العقول العراقية بشكل كبير بسبب الحصار والظروف الاقتصادية الصعبة . مما تؤكد الدراسات ان عقول كبيرة من مرتبة علماء وأكاديميين وغيرهم هاجرت الى الدول الاوربية وغيرها لتكون هدية مجانية لتلك الدول كما صرح بذلك آنذاك رئيس وزراء بريطانيا .
ولم يقف التدهور على هجرة العقول فحسب . بل انهارت بعض مفاصل منظومة التعليم العالي واعني بها قاعدة البحث العلمي التي تلاعب بها النظام السياسي ومس قدسيتها حتى وصل الامر الى اصدار اوامر بمنح الشهادة لكل طالب دراسات عليا يكون عنوان رسالته او اطروحته تحمل مضامين عن ” القائد الضرورة ” بمناقشات شكلية . واتذكر واقعة في هذا الامر حين رفضت لجنة علمية احدى رسائل الماجستير لطالبة تعمل في جهات امنية عليا كون الرسالة غير أصيلة ومنقولة من بحث . مما حدا بالطالبة الى ان تلتقي بالقائد الضرورة الذي بدوره وجه امرا بقبول الرسالة وبدرجة عالية . وتشير تلك الفترة الى انتشار مكاتب كتابة رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه نزولا الى البكالوريوس .
ليستمر مسلسل المؤامرة على التعليم بعد 2003 حيث شهدت تلك الفترة اغتيال اكثر من 350 استاذ جامعي وعالم وباحث واكثر من 200 طبيب و1000 مثقف . مما حدا بالكثير من اصحاب العقول العلمية في الخارج العزوف عن العودة الى العراق رغم دعوة وزارة التعليم العالي اليهم . وعلى الرغم من دعوات تطوير التعليم العالي من قبل وزارة التعليم وتبني استراتيجيات وخطط علمية للنهوض بالواقع العلمي والتعليم وحماية الشهادة العراقية من السقوط الا ان هنالك من يريد بالعراق السوء وايقاف عجلة النهوض لتبدأ من الداخل حيث ظهرت المحسوبية والمنسوبية في المناقشات العلمية ومنح درجات عالية للطالب دون استحقاق بل وصل الامر الى التغطية على بعض السرقات العلمية التي تحدث في رسائل الماستر واطاريح الدكتوراه من قبل لجان المناقشة. اما على الصعيد في الخارج فقد وجد بعض الطلبة مرادهم في عدد من الجامعات العربية وجامعات دول الجوار في منح الشهادة لقاء مبلغ مالي يتوزع على اعضاء اللجنة ضاربين عرض الحائط الامانة العلمية مادام الطالب عراقي . وقد واجهت احد الطلبة العائدين من احدى الدول العربية وهو يتبجح بأعطاء مبلغ مالي كبير بغية نيل شهادة الماجستير بمناقشة صورية . وما زال طلبة العراق يتوافدون الى تلك الجامعات تحت مرمى وزارة التعليم التي لم تحرك ساكن تجاه القضية ليضعوا مسمار آخر في نعش التعليم والشهادة العراقية .