23 ديسمبر، 2024 7:32 ص

أنصار الظواهري في العراق… خلفاء ما بعد الخلافة

أنصار الظواهري في العراق… خلفاء ما بعد الخلافة

يمثل العراق من الناحية الجيوسياسية أهمية كبيرة لتنظيم قاعدة الجهاد العالمية بقيادة الظواهري ، فالعراق بالنسبة لهم يمثل منطلقاً لمواجهة )العدو القريب( المتمثل بالانظمة العربية والتي تعتبر في نظرهم أنظمة ردة كافرة لاتحكم بما أنزل الله ، كما ان موقع العراق القريب من إسرائيل (العدو البعيد) يمثل هو الاخر أهمية جيوسياسية كبيرة ، بالاضافة الى مكانة العراق التاريخية في الاسلام حيث كانت مدن العراق من أهم الحواضر الاسلامية كبغداد والكوفة والبصرة ، كما ان ثروات العراق وموارده الاقتصادية ومخزونه النفطي هو الاخر شكل عاملا هاما عند تنظيم القاعدة.

وقد كان للاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 الاثر الكبير في بروز التنظيمات المسلحة خصوصاً التنظيمات السلفية الجهادية بمسمياتها المتعددة مما شكل فرص كبيرة لتنظيم القاعدة للنزول والعمل على ارض العراق كأرض جهاد ونصرة وبعد ان ضاقت عليهم افغانستان اثر القصف الامريكي عام 2001 .

في نهاية عام 2004 اعلن الزرقاوي رسمياً عن ارتباط مجموعته بتنظيم القاعدة عبر (تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين) واصبح فرعا مهما من فروع قاعدة الجهاد العالمية بل اصبح الفرع الاقوى في العالم ، وبدأت منذ ذلك الحين عرقنة هذا الفرع الجهادي في العراق واخذ الجهاديون العراقيون يبايعون اسامة بن لادن ويعملون تحت راية تنظيم القاعدة.

وقد واجه الزرقاوي وانصاره عدة اعتراضات من زعماء تنظيم القاعدة حول اسلوب العمل الجهادي وطريقة العمليات المسلحة والمستهدفين منها وظهرت حول ذلك عدة اصدارات كرسالة (مناصرة ومصالحة ، امال والام) لابي محمد المقدسي ، واعتراض الظواهري على

استهداف الجوامع والمساجد الخاصة بالمسلمين والحذر من اسلوب الترس وعدم الايغال بقتل المتمرس بهم من المسلمين ، وغيرها من الاعتراضات ، كما واجه الزرقاوي الكثير من المشاكل مع شيوخ ووجهاء المناطق الساخنة وحواضن التنظيم حول استهداف ابناء تلك المناطق من العاملين في الاجهزة الامنية وموظفي الدولة واستباحة هدم الدور والبنايات .

الا ان ذلك لم يمنع من تزايد عدد العراقيين المنظمين الى تنظيم القاعدة والمبايعين لابن لادن على السمع والطاعة في المنشط والمكره .

وقد تطور الامر بعد ذلك الى حد ان يتسنم العراقيون اعلى المناصب في التنظيم بعد ان كانت حكرا على المهاجرين وبالاخص السعوديين منهم ، ولا يزال الكثير من هؤلاء العراقيين على بيعتهم لتنظيم القاعدة حتى بعد الخلاف بين زعيم داعش ابي بكر البغدادي وتنظيم القاعدة ، ومن هؤلاء المدعو (ميسر الجبوري) الملقب بميسر هرارة الذي اختلف مع ابو بكر البغدادي في سوريا وقرر الانتماء الى جبهة النصرة مع الجولاني واصبح فيما بعد من كبار شرعي جبهة النصرة في سوريا ، واغلب هؤلاء اعتبروا ان بيعة ابي بكر البغدادي باطلة ، ولايزال ابو بكر البغداي يرسل لهم الوفود ليعدلو عن بيعة الظواهري ويبايعوه ولكن دون جدوى.

يرى هؤلاء ان ما يفعله البغدادي من عمليات وانشطة من تفجير وقتل ضد اهل السنة وكذلك نكثه البيعة مع تنظيم القاعدة بقيادة الظاهري ومحاربته بقية الفصائل واعلانه الخلافة كلها مخالفات شرعية تصل لحد تكفيره واقامة الحد عليه ، كما انهم ليسوا قليلوا العدد ، والمتاثرون بهم من الناحية الروحية هم ايضا ليسوا قليلي العدد ،ومن اسباب تأثرهم هو انهم كانوا اساتذتهم في الفقه والسياسات الشرعية وحفظ وتجويد القران ايام سجن بوكا ، ويوجد بينهم ممن قام داعش بتصفية اخوه او ابوه او احد اقاربه بحجة الردة والكفر.

كما ان هؤلاء لا يزالوا عن انتمائهم للقاعدة ولكنهم في حالة من التعطيل عن العمل الجهادي بسبب سطوة داعش وغلبته على الساحة الجهادية ، وتعقب ابو بكر وانصاره لهم . انهم أشبه بمارد حبس في قمقم ووضع الغطاء عليه من قبل داعش وهم في انتظار رفع الغطاء عنه ليخرجوا منه .

ان الاحداث الحالية تنبأ بان داعش كتجربة جهادية اخذت بالانحسار الشديد والتلاشي كقوة عسكرية قادرة على ادامة التمكين وان ما تتعرض له من ضربات شديدة من روسيا والجيشان السوري والعراقي وقوات الحشد الشعبي والعشائر افقدتها الكثير من المقدرة على المحافظة على المساحات الجغرافية التي استمكنت فيها وقد تنتقل داعش الى مناطق منتخبة اخرى كليبيا واليمن ونيجريا وافغانستان بعد هذه الضربات في العراق وسوريا ، عندئذ سيكون لتنظيم القاعدة الفرع العراقي الفرصة الكبيرة للظهور كتنظيم مسلح يمارس عمليات محدودة ومؤثرة وذات صدى اعلامي كما يفعل في كل بقاع العالم .

ان الفرق بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة هو ان الاخير لازال يؤمن بطريقة العمل الامني واسلوب المفارز (الكمين والاغارة) ولا شأن له بالعمل ذات الطابع العسكري واحتلال المدن والمساحة الواسعة التي يدرك جليا انه لا يستطيع المحافظة عليها وبالتالي لا يستطيع تطبيق ادارة التوحش فيها ويحصل بعدها على التمكين .

ولازال تنظيم القاعدة يسعى الى تنفيذ عمليات ذات بعد استراتيجي مدروس يعطي انطباع ورسائل محددة لجمهور مستهدف وهو ملتزم بقواعد وسلوكيات لا تتصف بالتهور والتضحية بالعناصر والافراد مثلما يفعل داعش ، ولازال افراده يطبقون تعليمات موسوعة ابو زبيدة الامنية الشهيرة التي تحوي على كل النصائح والارشادات الامنية الخاصة بعضو التنظيم ، وفيما لو اعاد هؤلاء تنظيم اوراقهم ولملمة اعضائهم المشتتين في العراق فانهم سيعلنون عن اسمهم الجديد باصدار اعلامي ، تتبعه عدة عمليات مسلحة ، وسيحاولون قدر الامكان

تجنب تنفيذ اي عملية مسلحة في المناطق السنية وسيركزون على الاهداف الحيوية في عملياتهم (وزارات امنية – شخصيات سياسية هامة – بنى تحتية اقتصادية…الخ) ، وسيدعون المجتمع السني الى نصرتهم ، كما انهم سيسعون جاهدين لتنفيذ عمليات مسلحة ضد المصالح الاجنبية في البلد كأستهداف السفارات والشخصيات الاجنبية الهامة والشركات الاجنبية الكبرى في العراق .

مما سبق يتبين انه من الضروري ان تضع الاجهزة الامنية والاستخبارية في اهتماماتها كيفية العمل على الاجهاز على هذا المارد قبل خروجه من القمقم ، وكذلك البدء باستهداف عناصره من الان ورصدهم وتشخيصهم وعدم الاستهانة بقدراتهم ، وبالاضافة للتامين الامني الذي ستقوم به الاجهزة الامنية للمناطق المحررة من نير داعش لابد من التامين الاستخباري العالي المستوى لها لرصد امكانية رجوع هؤلاء والحيلولة دون تفعيل تنظيمهم من جديد ، ولنجاح ذلك لابد من اشراك المواطن كعامل موفر للمعلومة الاستخبارية من خلال مراقبتهم والابلاغ عن رجوعهم الى مناطقهم وطرق تحركهم .