19 ديسمبر، 2024 12:44 ص

أنتم تمارسون البلطجة وليس الحق يا رئيس وزراء إقليم كردستان – 2

أنتم تمارسون البلطجة وليس الحق يا رئيس وزراء إقليم كردستان – 2

في الجزء الأول من هذا المقال كنّا قد سلّطنا الضوء على المادتين الدستوريتين 111 و 112 من الدستور العراقي , وعرفنا من خلالهما أنّ هاتين المادتين الدستوريتين لا تسمحان إطلاقا لأي إقليم أو محافظة منتجة من التصرف بالنفط والغاز بعيدا عن إشراف وسيطرة الحكومة الاتحادية , وفي هذا الجزء سنسلط الضوء على المادتين 115 و 121 من الدستور العراقي اللتان اعتمد عليهما برلمان إقليم كردستان في تشريع قانون النفط والغاز لإقليم كردستان رقم 22 لسنة 2007 , وهذه سابقة غريبة حيث يشرّع الإقليم قانونا خاصا به قبل أن يشرّع القانون الاتحادي , وقد جاء في الفقرة ثانيا من المادة 2 من هذا القانون ( استنادا لأحكام المادة 115 والفقرة أولا وثانيا من المادة 121 من الدستور الاتحادي , لا يجري نفاذ أي تشريع اتحادي أو اتفاق أو عقد أو مذكرة تفاهم أو أي وثيقة أخرى اتحادية خاصة بالعمليات النفطية ما لم توافق عليها السلطة المختصة في الإقليم على نفاذه ) , أي بمعنى أنّ أي قانون للنفط سيشرّع من قبل مجلس النوّاب العراقي سيكون غير نافذ مالم توافق عليه حكومة إقليم كردستان , حيث تعتقد حكومة الإقليم أنّ المادة 115 والفقرة أولا وثانيا من المادة 121 تسمحان لحكومة الأقليم أن تتصرف بالنفط والغاز في الإقليم وفق قانون الإقليم وليس وفق القانون الاتحادي المعمول به حاليا , وبالتالي حقها في إبرام العقود وعقد الاتفاقات مع شركات النفط العالمية ودول العالم المختلفة بعيدا عن إشراف وسيطرة الحكومة الاتحادية .
فالمادة 115 من الدستور العراقي نصّت على ( كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم , والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم في حالة الخلاف بينهما ) , فحكومة الإقليم تعتبر النفط والغاز من الصلاحيات المشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة , ولهذا فالنفط والغاز ليسا من الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية , وبالتالي تكون الأولوية فيها لقانون الإقليم الذي أشرنا إليه .
والحقيقة إنّ هذه المادة الدستورية لا يمكن تفسيرها دون الرجوع لباقي مواد الدستور الأخرى خصوصا المواد 27 , 78 , 80 , 110 , 111 , 114 , لأن جميع هذه المواد ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه المادة , وهي ليست بمعزل عن جميع هذه المواد , فالسياسة النفطية تشّكل العمود الفقري للسياسة الاقتصادية  , وعلى هذه السياسة تتوقف إيرادات البلد التي هي مصدر كل نشاطاته الاقتصادية , وكذلك فإنّ النفط يشكل الجزء الأساس في صادرات البلد الخارجية إلى دول العالم , وتكاد إيراداته تشّكل حوالي 95% من إيرادات البلد العامة , وعلى هذه الإيرادات يتم إعداد الموازنة العامة للبلد , ومن دون إيرادات النفط لا يمكن اعداد هذه الموازنة , ومن هذا نستنتج أنّ النفط والغاز والسياسية النفطية هما عماد اقتصاد البلد وسياسته الاقتصادية , وعلى النفط تتوقف صادرات العراق الخارجية , وبإيرادات هذا النفط يتم إعداد الموازنات العامة للبلد , فإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن نعتبر النفط والغاز بأنهما ليسا من الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية ؟ .
أما الفقرة أولا من المادة 121 من الدستور العراقي فقد نصّت على ( لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لأحكام هذا الدستور , باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية ) , والفقرة ثانيا قد نصّت على ( يحق لسلطة الإقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية ) .
نعم فإن الفقرة أولا من المادة 121 قد أعطت لسلطات الإقليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية , لكنّ النفط والغاز والسياسة النفطية ليسوا من هذا الحق الذي هو هو من الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية كما اسلفنا قبل قليل , وحتى الفقرة ثانيا من المادة 121 , فإن حق تعديل القانون الاتحادي لا يشمل قانون النفط الاتحادي الذي يرسم السياسة النفطية والاقتصادية للبلد , والتي هي من الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية قطعا ودون اي شك في ذلك .
فمن هذا نستنتج أنّ قانون النفط والغاز لإقليم كردستان رقم 22 لسنة 2007 , والذي بموجبه شرعت حكومة الإقليم بتوقيع عقود النفط مع شركات النفط العالمية , وعقد الاتفاقات مع الحكومة التركية , باطل ومخالف لنصوص وروح الدستور العراقي , وتفسير حكومة إقليم كردستان وبرلمانها للمواد 112 , 115 , 121 , هو الآخر باطل لأن تفسير مواد ونصوص الدستور العراقي ليس من اختصاص حكومة وبرلمان إقليم كردستان , بل هو من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا حصريا , فهي الجهة الوحيدة المخوّلة بتفسير نصوص الدستور العراقي , ومتى ما حكمت المحكمة الاتحادية العليا بدستورية هذه العقود والاتفاقات , فعند ذلك يحق لنيجرفان برزاني أو غيره أن يدّعي ويقول إننا نمارس حقوقنا .
فالحقوق التي تدّعونها زورا وبهتانا يا رئيس وزراء الإقليم هي بلطجة وليست حقوق , وإذا كانت السلطات الاتحادية قد تباطئت في عرض هذا النزاع على المحكمة الاتحادية العليا , فإنّ العراقيين لن يسكتوا على جريمة التفريط بحقوقهم وحقوق أجيالهم القادمة , وسيتوجهوا للمحكمة الاتحادية العليا لانتزاع هذه الحقوق من مخالب حكومة إقليم كردستان الخارجة عن القانون .