هناك وجود اشتراك بين الرؤية الغربية والإسلامية، حول أصل مفهوم السياسة، وهو(إدارة المجتمع على المستوى العام، أو فن إدارة الدولة) لكن أيضا يوجد أختلاف واسع بين الرؤيتين من الجهة الاعتقادية في السياسة، ومن جهة أسلوبها التطبيقي، ومن ناحية غايتها وأهدافها، ومن ناحية موضوعها.
إن السياسة في الوقت الراهن قد ارتبطت بجميع العلوم الإنسانية، حتي قبل في تعريف النظام السياسي:(إن النظام السياسي يعني: شكل وتركيبة السلطة والدولة وجميع المؤسسات العامة، والأعم من السياسية، والإدارية، والإقتصادية، والقضائية، والعسكرية، والدينية، وأسلوب عمل هذه المؤسسات والقوانين والقرارات المهيمنة عليها).
الإنسان عندما يقرأ القرآن ويتدبر في آياته الكريمة، يكتشف أشياء مذهلة و مبهرة، ويتعلم منه الكثير من العلم والحكمة، لو نظرت للتعريف أعلاه في النظام السياسي، وما عرف عن السياسة في عصرنا الحديث والتي تعني كافة مجالات الحياة البشرية، تجد إن هذا الشيء قد ذكرته بعض الآيات من سورة الإسراء، حسب تدبري وفهمي لهذه الآيات العظيمة:
(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا،وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا، رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا، وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا، وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا، وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا، إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا، وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا، وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا، وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا، كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا).
حقيقة إن هذه الآيات الكريمة فيها نظام سياسي شامل لكافة مناحي الحياة الإنسانية، لذا تجد هذه القوانين والصفات في الآيات المباركة يشترطها الإمام المهدي”صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين”على أصحابه الذي يتخذهم قادة وحكام في الأرض، كما في الحديث التالي الوارد عن أمير المؤمنين”عليه السلام”, قال:
(إنه”أي المهدي” يأخذ البيعة على أصحابه على أن: لا يسرفوا، ولا يزنوا، ولا يسبوا مسلما، ولا يقتلوا محرما، ولا يهتكوا حريما محرما، ولا يهدموا منزلا، ولا يضربوا أحدا إلا بالحق، ولا يكنزوا ذهبا ولا فضة ولا برا ولا شعيرا، ولا يأكلوا مال اليتيم، ولا يشهدوا بما لا يعلمون، ولا يخربوا مسجدا، ولا يشربوا مسكرا، ولا يلبسوا الخز ولا الحرير، ولا يتمنطقوا بالذهب، ولا يقطعوا طريقا، ولا يخيفوا سبلا، ولا يفسقوا بغلام، ولا يحبسوا طعاما من بر أو شعير، ويرضون بالقليل، ويشمون الطيب ويكرهون النجاسة، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويلبسون الخشن من الثياب، ويتوسدون التراب على الخدود، ويجاهدون في الله حق جهاده، ويشترط على نفسه لهم أن يمشي حيث يمشون ويلبس كما يلبسون ويركب كما يركبون، ويكون من حيث يريدون، ويرضى بالقليل ويملأ الأرض بعون الله عدلا كما ملئت جورا، يعبد الله حق عبادته، ولا يتخذ حاجبا ولا بوابا). [تاريخ ما بعد الظهور. ص243]
ليس مستحيلا على المؤمن الحقيقي، الإلتزام بهذه القوانين والأحكام والأوامر والنواهي، التي جاءت في الآيات المذكورة والحديث، بل هي تكاليف إلهية ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فأنظروا في القوائم الإنتخابية، فإذا وجدتم قائمة رئيسها ومرشحيها بهذه الصفات أنتخبوها، وإلا(ذاك الطاس وذاك الحمام).
لعل قائل يقول: إن الضرورة العقلية والمنطقية والسياسية، ترى أن الإنتخاب أقل مفسدة من عدم الإنتخاب، فإذا كان كذلك فأنتخبوا القائمة التي يكون شرها مأمون إن لم يكن خيرها مأمول.