18 ديسمبر، 2024 9:04 م

أنتخبوا معاوية وبايعوا علي

أنتخبوا معاوية وبايعوا علي

للانتخاب أثاره، وللبيعة أثارها، وما إظهار الشيء أعظم من تمكينه، فبتمكين معاوية من كرسي الحكم بالانتخاب، نسف لمبايعة علي بالولاية، وكأنه هنا مصداق المتحدث بقولتهم لعلي عندما قالوا: ( قلوبنا معك وسيوفنا عليك)، ومن خرج بالأمس لمجاهدة علي في صفين والجمل والنهروان، لا يقل شأننا عمن خرج اليوم شاهرا صوته، أو لسانه بالتطاول والتأنيب والسب والشتم على المرجعية الدينية الصالحة، وكالعادة ليس (علي) من يرد الضعيف او الجاهل او السذج او المغرر به بالسيف، بل تقبله وفي العين قذى وفي الحلق شجى، وفي القلب حرقة لا تنطفئ حتى( يستبدلهم الله بشر منه، ويستبدله بخير منهم).

على إعتراف الصحابة بفضل وقدر شأن علي، إلا انه اعترافهم هذا لم يكن بالشكل والمضمون، الذي يجعل عليا حجة بقوله وفعله في نظرهم، بل على العكس من ذلك تماما، اصبح خلاف علي ومعاداته بالفعل سنة! ترويها خزعبلات ابا هريرة! وتؤيدها سذاجة جمهوره المأجور، بدليل أن الخروج على الحاكم كان من اشد الموبقات والكبائر في سننهم الموضوعة، حتى وان كان الحاكم ظالم فاجر، فلم يخرج شخص واحد ضد (ابا بكر وعمر وعثمان) طيلة فترة حكمهم، ولكن عندما تسلم علي مقاليد الحكم، ومع اعترافهم بعصمته وعدالته، إلا انه حكم أربع سنوات خاض بها اشرس ثلاث معارك في التاريخ الإسلامي، راح ضحيتها مئات الصحابة والتابعين، حتى انتهى به المطاف، ان يقتل في اقدس مكان، وأعظم وقت تقام به الصلاة..!

الجمهور الذي خرج لحرب علي وقتاله، كان لا يعدوا ثلاث أصناف أما: (جاهل مغرر به من حيث العقيدة الأموية المنحرفة، أو خاف بريق سيف معاوية، أو ذاق طعم دارهمه)، وما أكثر نسبة الجهل والخوف والطمع في مجتمعات العرب والمسلمين، وعلى طول الازمنة والعصور الى يومنا هذا، ولطالما يعبر عنهم القرآن بالكثرة واتساع رقعة التمثيل، فيقول:(وأكثرهم الفاسقون – وأكثرهم للحق كارهون – وأكثرهم لا يعقلون – وأكثرهم الكافرون – وغيرها) بالمقابل يصف القرآن الجهة الاخرى بقوله ( وقليلا من عبادي الشكور)، فتتركز هنا ترسبات الحديث القائل بأن :(لا تستوحشوا من طريق الحق لقلة سالكيه)، بعدما سلك الاكثرية طريق الباطل، عنوة وطمعا وخوف وجهالة.

ما بين خصوم علي وأعداءه، استبيح شتمه وأراقة دمه، في أوساط المجتعات الملاصقة له، والقريبة من معرفته، فكان علي لا يعاني من خصمه معاوية، بقدر ما يعاني من عدوا جاهل يعيش معه، يتظاهر بحبه، ويمتهن عداءه! وإلا فعلي هو القائل (وما معاوية بأدهى مني ولكنه يفجر ويغدر)، ولا معاوية بأشجع من علي ولا اكثر مالأ، ولكن عدالته ودينه هي من اضعفته امام معاوية، وأعزته امام الله، فعانى (علي ) ما عاناه، ممن يتظاهرون بحبه وبأنهم تحت عباءته ووصاية أمره، فكانوا مصداق النفاق الذي اذاق قلب علي الوجع والألم، وفجر عينه بالبكاء، وحقيقة الأمر، علي لا زال ولم يمت، وسيف معاوية لم يهفت بريقه، ولا أفك سحر دارهمه، ولا انقطع نسل هولاء المنافقين.

من الملفت للنظر، وما يجب الوقوف عنده، هو اننا نستطيع ان نؤكد ان ما عاناه (علي) في حكمه، هو ذاته ما تعانيه المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالسيد السيستاني اليوم، ووجه الشبه ما بين الاثنين، يكمن في أنهما يعتبران الفرصتين الوحيدتين، اللتين استطاع من خلالهما الشيعة تسلم مقاليد الحكم، بشكل معترف به، داخليا وخارجيا من قبل بعض الاوساط الدولية المحيطة، والمؤثرة بالمشهد السياسي، وبنفس المجتمع الذي استطاع من خلاله معاوية وحلفاءه، بتأليب الناس، وتحشيدهم بالمال والسيف والتغرير بالإعلام المزيف، للخروج على الامام علي ومحاربته بشتى الطرق، مع اعتراف تلكم الناس بعدالته وعصمته كما أشرنا، هو نفسه المجتمع الذي يدار اليوم من قبل دول الخليج والبعث الصدامي وحلفاءهم، للخروج ومحاربة المرجعية الدينية العليا بشتى الطرق والأشكال أيضا..!

معاناة المرجعية الدينية من قبل من يدعون جمهورها، ومن يدعون الولاية والوصاية تحت تلك العمامة العلوية، اشد فتكا من معاناتها من اعدائها وخصومها المعلنيين من خلال رفض الحكم الشيعي، ومن الغريب المضحك المبكي بنفس الوقت، ان المرجعية العليا استطاعت استيعاب العديد من الاطراف المتنازعة معها، والمختلفة فيها، ولكنها تفشل في استيعاب فئات، ليس بالقليلة من المجتمع المحيط بها، والسبب جدا واضح وصريح، وهو انه هذا المجتمع المحارب للمرجعية، هو بحد ذاته ذلك المجتمع الذي اخرجه معاوية لحرب علي، من بين بيوت الكوفة التي يحكم فيها علي بنفسه، فللمال سحره وللسيف حده وللاعلام المزيف المضلل في تلكم النفوس اثره،

نستطيع ان نقول ختاما: مثلما كان علي حجة بفعله وقوله على المؤمنيين، فان المرجعية العليا حجة بفعلها وقولها أيضا، وهي تمثل امتداد لحكومة علي وقرينة لها من حيث ما جوبهت به تلك الحكومة العادلة، ولكن للاسف ومثلما انخدع الناس بحكومات آل (آمية والزبير وبني العباس)، كونهم دخلوا بلباس الدين، ومنهم من دخل بلباس التشيع، فصدق بهم ذلك المجتمع الجاهل، وترك علي وحيدا وهب وراءهم للمناصب، كذلك اليوم المجتمع الشيعي هب وراء قرينة تلك الاشخاص، وتركوا المرجعية الصالحة التي فيها نجاتهم وصلاحهم.