23 ديسمبر، 2024 8:24 ص

أنا و الرئيس أوباما … أو طبيب يقيس ضغط الرئيس!

أنا و الرئيس أوباما … أو طبيب يقيس ضغط الرئيس!

لقد وقع ما كنت أخشاه و حذرت منه أصدقاء و مقربين منذ فوز الرئيس اوباما بسباق البيت الأبيض نهاية عام 2008، و المتمثل بتحويل الدور الأمريكي في الشرق الأوسط الى ” لاعب بلا رقم” وهو ما يتم تطبيقه على ارض الواقع بوضوح هذه الأيام، فالعبرة ليست بفترات الأحماء أو المراوحة بل في خطوات التنفيذ .
لم أنطلق في هذا التقدير من هواجس شخصية أو مجاملات ديمقراطية وجمهورية فانا تعودت الاستقلالية في قراءاتي رغم تعاطفي مع مواقف الجنرال ماكين الواضحة، كيف لا و انا المتخصص في دقات القلب و قياس نبض الشرايين، و علاقة ذلك بالقدرة على المناورة و تحسس الخطر قبل الأضطرار الى تدخل جراحي متأخر .
لقد أجتهد الرئيس أوباما في المكان الخاطيء منذ قرار الانسحاب غير المبرمج من العراق، ضاربا بعرض الحائط ” الانتخابي” تحذيرات المختصين و المتابعين و أنا من بينهم، حيث ترك سيد البيت الأبيض وراءه ا فوضى سياسية و أمنية و أقتصادية شكلت في مجموعها مكانا مناسبا لنمو التشدد في كل الأتجاهات ، رغم انه و بدون عراق مستقر لا يمكن توقع الأستقرار المتكافيء في الشرق الأوسط، وبدون حكومة قوية يستحيل السيطرة على موارد البلاد و سيادة قرارها الوطني، ما فتح الأبواب أمام نوظيف كل الأجندات الخارجية بدون الألتفات الى المصلحة العراقية، وهي مفارقة قرار أنطلت على عقول أغلب صانعي القرار الأمركي و مع الأسف، لذلك يحاولون اليوم لملمة الخلل بعد فساد موسم الحصاد بسبب زوابع سياسية داخلية.
مفارقة غير مسبوقة تلك التي يتحول فيها الدور الأمريكي في الشرق الأوسط  الى ضيف ثقيل الدم وغير مرحب به اصلا، ولا اذيع سرا اذا قلت أني من المدافعين عن خبرات الجنرال ماكين، التي أعترف الرئيس اوباما بواقعيتها بعد اشتداد الأزمتين السورية و المصرية، ما سيجبره على  الخيار المر لتحجيم ” التوغل ” الروسي في المنطقة، سواء في تدخل عسكري محدود في سوريا أو الأعتراف باحقية الجيش المصري في مهمة بسط سلطة القانون، لكن في الحالتين فان الأعتراف المتأخر لن يعيد الى الدور الأمريكي حيويته، حيث استفاقت شعوب المنطقة من كابوس تردد البيت الأبيض في مواجهة التطورات من بوابة صناعة القرار وليس انتظار نتائجه، ما أحدث أرباكا سياسيا و أمنيا سيلحق ضررا في قدرة واشنطن على حماية مصالحها في المنطقة ، الا اذا تعجلت في رسم ملاح التاثير المستقبلي اليوم قبل الغد،  بعيدا عن فكرة التدخل و فرض الارادات ، لأن المنطقة لا تحتمل تزاوجا في مصالح الكبار.

ان السياسي الناجح كالطبيب المتخصص كلاهما يشخص المرض لمعالجته قبل اشتداد المرض، وذلك منعا للخيار الأصعب أو الأوحد ، اي اجراء عملية جراحية غير مضمونة النتائج، ما يفرض على واشنطن واجب اعادة تقييم حساباتها الشرق أوسطية قبل انهيار هرم  البدائل، ما يضع على طاولة صانع القرار الأمريكي خيارت صعبة تتعلق بملفات ساخنة جدا .
و لأن الوقاية ليست دائما افضل طرق العلاج فان امام الأدارة الأمريكية مجموعة قرارت لا تقبل التاجيل أو الأجتهاد المفتوح ،تبدا في مراجعة المتغيرات بعقلية الباحث عن معالجات لا خطوات متثاقلة تزيد من ارتفاع ضغط شعوب المنطقة، وثانيا الأبتعاد عن نظرية ترك الديمقراطية تأخذ مكانها في المنطقة باعلى الخسائر، أعتبار العراق القاسم المشترك في كل سياسات المنطقة بوصفه مركز الأستقطاب و نقطة التوازن عدم الخلط بين الوعود المعتدلة من عقول متشددة في قرارة أنفس اصحابها، رفض حشر الدين بالسياسة تحت أي مسمى أو كيان، التعامل مع التحولات في المنطقة بحسابات المصالح الأستراتيجية لا التوافقات المرحلية، منح الكفاءات فرصة القيادة بدلا من الأعتماد على لاعبين أحتياط في ملعب يغض بالجماهير الغاضبة، منع استفحال الجهل السياسي في سلطة القرار و أعتبار استقرار المنطقة خطا أحمر بوجه المراهنين على ظروف الطواريء، قطع الطريق على ارادات التطرف في كل جانب و اعتبار خيرات الشعوب طريقا للبناء الصحيح لا وسيلة لنهب الثروات و التاسيس لمراحل منشطرة من الفساد بوصاية أمريكية، الأعتراف بالخطا بديلا عن اليغال في أثم عنجهية القوة ، التي انجبت أنظمة سياسية غير قابلة للحياة بسبب عمق الهوة بين امكانياتها  و طموح الشعوب، اسقاط فكرة تقريب العملاء و اقصاء الوطنيين، الاقرار بحقيقة أن العراق القوي الموحد لا يمثل تهديدا لأحد بل عنوانا في التسامح على كل المستويات، فتح قنوات للحوار الجاد مع المؤمنين بالديمقراطية و التداول السلمي للسلطة لا النائمين على اسطح منازل التشدد، و أخيرا نزول واشنطن من الطوابق العليا و بروجها العاجية و الاقرار بانها أجتهدت و أخطأت  و لا يحق لها تحميل الأخرين سوء تقدير حساباتها و قنوات أختيار حلفائها في المنطقة!!

* اختصاص جراحة القلب و الشرايين – أمريكا