قهقهة في غرفتي ، لأاحد فيها ، خالية الا مني ، أنا والجان في وئام ، المسلم فيهم والمنكر للإسلام ، لاتذهب بعيدا عني وتتهاوى في دهاليز الاشباح والالغاز وضرب الاخماس في الاسداس ، أنا من كان يضحك والسلام ، مسارعا الى لجم ضحكتي ذيلتها بالصمت وخنقتها في مهدها ، وتبينت إنحسار ذبذباتها بين الحيطان ، مسرعا خرجت خارجا أتفكر، فيما ضحكني وما إعتراني ؟ ، تحسست عقلي ، مررت عليه حوادث مطمورة وتاريخ منسي وطلاسم ليس لها حلول ، استذكرت النظرية النسبية ، وقرود داروين ، وإنقلابات العراق المتوالية ، وعددت كل الحروب التي أشرها التاريخ البشري ، من الحرب الطويلة ذات المائة عام الى الحرب الانكليزية الزنجبارية التي إستمرت لأربعين دقيقة ، وعرضت عليه صغائر الامور فسألته عن الموز فرد علي قائلا إنه من سلالة الاعشاب وسألته عن الطماطة ، وقال لي إنها من سلالة الفواكه ، الامور على خير مايرام ، أنا لازلت مالكا لعنان عقلي بعد أن أجريت الاختبار ، حولت أفكاري عن فكري ونظرت الى السماء أستنصرها النجاة ، ليس في السماء مذياع أو كتابات أو شاشة عملاقة فضائية أرى من خلالها بصيص أسترشد به في متاهتي ، ليس فيها الاغيمة كبيرة سوداء ساحت الى كل السماء التي تسقفني ، إستمطرتها بالدعاء ، وأثنيت على الخالق المجيب للدعاء ، هطل المطر بإنهمار ، بلا توقف ، توالت السيول ، غرقت الاحياء ، البعيدة عن الغنى ، والمؤثثة بالاسمال ومطارق العمال ، والقطط السائبة وتلول النفايات المخصصة لرعي الجرذان ، عدت الى غرفتي وتركت الرعد والبرق والامطار ، أنا رب بيتي ولبيوت الناس أرباب تستنجد برب الارباب ، لابد للحدث من نهاية ، وعلي أن أضع حدا لتفاهة شغلتني وشطت بي عن جادة الصواب ، عند هذا الحد تركت المقال ودفعت بقلمي واوراقي جانبا ، وخزنت ماكتبت في ذاكرة حاسوبي ، وأعلنت التهادن مع نفسي ، وليكن ضحكت أو بكيت أو لعنت ملوك الدنيا ، أو مزقت دساتيرها التي تجعل من أقزامهم كالنار فوق رؤوس الاعلام أو التدين بتحريف ، مسموح فيه أكل اليتيم حيا أو ميتا ،أو وأد الفكر بمقصلة الجهل ، ومبادلة الموت بالموت والعناق بقطع الاعناق … بقي الحال هو الحال قوقعت قهقتي في قمقمها ، وعدلت عن إتمام المقال … في اليوم التالي سألت جاري استاذ علم النفس وقلت له بأني ضحكت بقهقهة وأنا لوحدي ، ثم قطعت ضحكتي وأنبت نفسي ، واستحضرت المقولة الشائعة ( الضحك بلا سبب من قلة الادب ) ، رد علي وقال : حاشاك من قلة الادب ، ولضحكتك تفسير أستطيع أن أتبينها من أسئلة كثيرة عليك الاجابة عليها إن كنت مستعدا لتلبية طلبي تلبية لطلبك ، فما تقول فيما اقول ؟ ، قلت : لاعليك استاذي ، أنا مستعد أن أصغي وأن أجيب عن أسئلتك توا ملحقا الجواب بالسؤال ، عاجلني كعاجل الفضائيات الممسوخة بعواجلها ، بارك الله فيك ، قال لي : هل انت مجنون ؟ ماإعتراني عصي علىي سرده ، تجهمت وتصلبت عضلاتي وأنعقد لساني وحدقت به إستفهاما وإستنكارا عله يرى مااصابني فوق مصابي موحيا اليه بتفكيك ماقاله وتحويله الى زلة لسان أو تذييلها بجعل المقصود بها غيري ، لكنه كرر ذلك وقال اجبني ؟ قلت له حانقا يبدو لي كذلك ، وأنا أقلب تأنيبا في عقلي لنفسي ، بالاستعانة بمن أخطأت في إختياره منقذا ، قال : لا أنت عاقل كامل العقل .. ادركت فجأة أن الاستاذ يريد استدراجي لاسئلة ، محورها سيكون فلسفيا أو متبحرا في دهاليز الحياة ، ثم أكمل حديثه : ضحكت لوحدك !، ولما لاتضحك لوحدك أو مع أهلك أو في الشارع ، هل كتب علينا أن نضحك حزنا ونبكي حزنا ونتزوج محزونين ونحارب الاحزان بالاحزان ، قل يا اخي شيئا غير هذا ، تعاقب الاحزان على سكة حياتنا أنسانا الافراح واليالي الملاح وجعلنا تأثيرهما خارج مديات عقولنا التي أصابها العفن الارادي الذاتي ، أمسيت انت والحزن كيان واحد ، لو كنت مكانك لاشبعت اقدامي دبكا ودكا على الارض واطلقت العنان ليداي تنتشر في كل إتجاه ولضحكاتي قهقهة وتصريخا ، ثم قال : هل انت خائف ؟ ، صمت هنيهة أحاكي نفسي هاهو يعيدني الى اسئلته المستفزة ، قلت له : لا ..لاأخاف ولما الخوف ، رد علي بشكل متسارع معقبا أخر كلمة من كلماتي ، قال : هل أنا مجنون ؟ قلت : لا ، قال : أنا أخاف ، من البرق ومن الافعى والعقرب ومن المرض ومن الحشوات الناسفة والسيارات المفخخة ومن الشرطي ومن الجندي الذي لايميز بين الوزير والغفير ومن كل دوائر الدولة التي تعمل على سلخ جلد المراجع لتغليف المعاملات خوفا عليها من التلف وممن لايخاف الله ومن المجهول ومن عاديات الزمن ، فكيف تقول لي أنك لاتخاف ، اترك للطبائع التي فطرنا الله عليها متنفسا ولاتحبسها فتكون سببا لاصابتك بالانطواء وإحتقار الذات ، في هذه اللحظة داهمتني الرغبة بالكلام ، فقد تبين لي ماأنا فيه جليا واضحا وقررت الاسترسال بالكلام وإلقاء مافي جعبتي وتفريغ سموم همومي على طاولة البحث النفسي ، قلت له استاذي ادركت للتو علتي وسوف لن اجيبك على سؤال أخر ، قال لي ، انا انهيت اسئلتي لزوال الاسباب الداعية لها ، فأنت سليما وشفاءك نفذ فيك بمقطاعتك لي ، قلت منذ عشرة سنوات لم اكن افرق بين الديمقراطية والدكتاتورية والفدرالية والكونفدرالية والكتل والتجمعات والاحزاب والمقاعد وتزوير الانتخابات والطعن فيها والشتائم المتبادلة بين الخاسر والرابح ، والبرلمان والعطل التشريعية ، والرواتب الفلكية للبرلمانيين النهابين لأموال الفقراء بدون إداء ، وحذف أصفار العملة الثلاثة ، المستمرة بحثا وتمحيصا منذ عقد من الزمان ، والقيل والقال والعائد من السفر من البلدان المسيجة بالحب والامان والرجوع بلا مبيت الى بلد الموت بالارقام ، قررت ياستاذي ماهو أت ، سأقذف بكل الفضائيات الى الفضاء البعيد ، وامزق كل الصحف المزينة بالشتائم وتبادل المقذوفات الكلامية ، وأخرس نفسي معقبا بالصمت عن كل قول يتقوله سياسي ، سوف أشتري كتبا تعلمني فن الطبخ وأخرى فن الضحك وأخرى عن التطريب والرقص …ودعت استاذي النفساني ودخلت الى غرفتي ونظرت الى نفسي بنفسي معكوسا من مرأة غرفتي ، بعد أن اطلت التحديق أحصيت المتبقي من عمري ، تأملت شكلي وتبحرت بأحافير الزمن ورأيت بوضوح نافذ أن ( شمس العمر مالت للغياب )، وتمنيت يومها لو كان يومي الاول قبل صرختي يوما بلا غد .