ما أن نشرع بقراءة أولى سور القرآن الكريم حتى يترسخُ لدينا أيمانٌ جازمٌ بأن الله سبحانه وتعالى اهتم بالتأريخ }اهْدِنَا الِصّرَاطَ المسْتَقِيمَ (6) صراطَ الَّذِينَ أنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضَّالِّينَ { ثم تتابع السور الكريمة فسورة البقرة سورةٌ لبناء دولة وآل عمران تعالج الخلل و…… ولو تدبرنا صفحة من صفحات التأريخ وسلطنا الضوء على موقف رجلٍ عربيٍّ مسلمٍ ولىّ شريداً طريداً مدبراً عن بلاد المسلمين ثم تمكن بعد ذاك من اقامةِ دولة إسلامية في قلب أوربا وتمكن من انشاء وتأسيس حضارة في اسبانيا (بلاد الأندلس) التي استمرت زُهاء ستةِ قرون أو يزيد .
حينما أزفت ساعة تلاشي وانعدام ذلك الصرح الحضاري المجيد جاء أخر ملوك الأندلس ليجثو على ركبتيه واضعاً رأسه في حجر أمه ليجهش بالبكاءِ المرير بين ذراعيها …. قالت الأم : أتبكي بُكاء النساء على مُلكٍ لم تحفظه كالرجال …!!!؟؟؟
فكانت النهاية بعد أن تشرذم الاخوة الى طوائف وأسسوا لدويلات الطوائف ليصبحوا ملوك الطوائف … انتهى بهمُ المطاف أن اُركبوا في سفنٍ تمخر عُباب البحر ثم احراق تلك السفن بمن فيها وما فيها ولعل المتبصر بدراسة التأريخ يُدركُ سِرَّ تسمية (كذبة أبريل أو كذبة نيسان) المرتبطة بهذا الحدث الجلل فيا ترى ما سر هذا الشتات والتشرذم والتلاشي الذي أفضى الى ضياع تلك الحضارة العظيمة وما سيليها والحبل على الغارب …..؟؟؟
نرى أن الجواب على هذا السؤال وعلى كُل تساؤل من هذا القبيل يُفسره لنا حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وأزواجه وذرياته وأحبابه وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما ) القائل : ( ما ذئبان جائعان اُرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على الشرف والمال لدينه) ، يُضاف الى ما سلف أن الأمة ابتليت بثلاث أصناف من الرجال : فأصحاب المنابر يقولون ما لا يفعلون ، ورجال السياسة يفعلون ما لا يقولون ، أما باقي الأمة فلا يقولون ولا يفعلون …!!!؟؟؟
لو أمعنا النظر وتمحصنا في الأمر لبرزت لنا حقيقةٌ ساطعة كالشمس في رابعة النهار وهي أن هناك خطأ في حركة التأريخ الاسلامي ومسيرته من خلال استيعاب الأمم عسكرياً فقط ، فالأمم حضارات وثقافات الأمر الذي يستلزم بناء أخلاق وبناء قِيم ليتم انصهار تلك الأمم في بوتقة المجتمعات الإسلامية ، فضلاً عن اخفاق الإسلاميين الذين ركزوا على الدولة وتحولوا من دُعاة الى رجال دولة مما انعكس سلباً وكان للأمر تداعيات كبيرة .
إضافة الى ما ذُكر فان هناك مشكلة أو معضلة وهي أن الكثير من القادة والساسة وهم الأعم الأغلب يقرؤون التأريخ بمعزل عن الجغرافية وهذا من الأخطاء الفادحة ولو اسقطنا الامر على العراق الحبيب على مر التأريخ وحتى يومنا الحالي لبرزت لنا قيمة الجغرافية التي نعتقد أن دراستها ان لم تكن اولاً فليست ثالثاً ، جدير بالذكر ان الساسة الكورد أولو دراسة الجغرافية السياسية اهتماماً بالغاً يتضح الأمر من خلال اسراعهم مع بداية انهيار الدولة العراقية 2003م بفعل الاحتلال الذي تعددت صوره وصفحاته … بالاستحواذ على سد الموصل وما يقارب أحد عشر وحدة إدارية بين قضاء وناحية بما فيها ناحية زمار الغنية بحقول نفط عين زالة واصفية والبطمة … والاستيلاء على قضاء تلعفر التركماني البالغ تعداد نفوسه أكثر من نصف مليون نسمة وعدم اخضاع تلعفر لإقليم كردستان سيكون بمثابة عائقٍ أمام الحلم القومي الكوردي بإقامة دولة كوردستان الكبرى بحكم موقعه الجغرافي حيث يبعد 85 كم عن الحدود التركية و 70 كم عن الحدود السورية واحتوائه على منفذ الخابور مع تركيا إذ لو تم تأهيل هذا المنفذ سينعكس الامر سلباً على منفذ إبراهيم الخليل مما سيكون له تداعيات على اقتصاد كوردستان .
ومما يَّسَّر هذا الأمر أزاء الإقليم هو أن التركمان في تلعفر غَّلبوا العامل المذهبي على القومية وآثروا الطائفية عليها لتدور إثر ذلك رُحى الحرب الأهلية الطائفية وتستعر دوامة العنف وتستشرى حمى الدماء ونزيفها فأضحوا بين قتيلٍ وشريدٍ وطريدٍ ومعتقلٍ ومهّجر ومهاجرٍ ونازح ….. الأمر الذي جعل حظوظ التركمان في المعادلة السياسية والجغرافية والاجتماعية و….. تتلاشى فأصبحوا كالهشيم تذروه الرياح فكل ما جرى ويجري يصب في صالح إقليم كوردستان فالأمر لم يأتي من فراغ بل بدراسة مستفيضة للتأريخ وللجغرافية السياسية ….. وصولاً الى تصويت برلمان كوردستان بالإجماع على ارسال مقاتلي البيشمركة للقتال في سوريا في مدينة عين العرب (كوباني) التابعة لمحافظة حلب والمتاخمة للحدود التركية ، وجُلُّ ما نخشاه ونتوقعه هو انفراط عقد الوئام العربي الكردي وتحول الأمر الى حربٍ قوميةٍ عربية كردية في قابل الأيام وهذا ما نكادُ نُجزم به .
لذا فالعراق بحكم جغرافيته السياسية (الجيوسياسية) تتكالب عليه أطماع داخلية وإقليمية ودولية وكلٌ يبكي على ليلاه الأمر الذي جعل هذا البلد كريشةٍ في مهب الريح تعصف به ريح شمالية وشرقية وجنوبية وغريبة من كل حدبٍ وصوب ، أتراه يصمد أمام ريح المنون …!!!؟؟؟ أم لا يستوي الظلُ والعودُ أعوجُ ، معلوم ٌ أن كل نجاحٍ يحمل في أحشائه بذرة فشل ، وكل فشلٍ يحمل في أحشائه بذرةُ نجاح لذا نقولها أن حبل الخلاص وقوة العراق تكمن بوحدة العراقيين العرب سنةً وشيعة ومسيحيين وتكمن في أن يسمو التركمان على الاختلاف الطائفي ويغلبوا العامل القومي عليه من خلال الانتماء للعراق وان يغادر ساسة الكورد الفكر القومي الشوفيني الذي يستهدف قضم الكثير من الأراضي العربية بغية تحقيق تغيير ديموغرافي وعليهم التوقف عن ممارسة الدور الازدواجي الذي يُمارس في الضرف الراهن من خلال التعامل مع القضية الوطنية بشكل هامشي وتغليب مصالح الكورد القومية على المصالح الوطنية وبذلك تكون قوة العراق بطوائفه وقومياته وأعراقه وأديانه إذا وعوا الدرس واستوعبوه والإ فالفرقة هي المصير البائس المتربص بالعراق وأهله .
يا نارُ كوني برداً وسلاماً
اللهم احفظ العراق وأهل العراق
اللهم اجعل العراق وكل ديار المسلمين ديار أمن وأمان