19 ديسمبر، 2024 10:07 ص

أنا….والرداء الأبيض

أنا….والرداء الأبيض

عندما كنا صغارا. …جذبنا الى إختيار تخصص علمي صعب وساعد على هذا المجموع الذي حصلنا عليه في الثانوية…. كانت الحياة بالنسبة الينا… كتاب كبير عليه صورة هيكل عظمي وطبعا ذلك الرداء الابيض…
دخلنا الى كلية الطب ونحن نجهل المسؤولية الملقاة على كاهلنا… ولا اقصد المسؤولية الاكاديمية فحسب… بل الإلتزام الخلقي الذي يترتب عليها… لم تغادرنا طفولتنا وفرحة الحرف “دي” الذي يسبق اسماءنا الى ان جاء يوم ومكثنا فيه لوحدنا في ردهة مليئة بالمرضى الذين يعتقدون بأنك قادر على كل شئ..وكيف لا.. افلست طبيبا….؟؟ علمت يومها ان
المطلوب مني اكثر من مجرد معرفة عمياء بأسماء الادوية وجرعها…وانما دور مؤثر في حياة الكثيرين…..
ليس من الغريب ان يخبرك المرضى بكل بساطة عن اسرار حياتهم…عواطفهم…عشقهم الخفي.. والى ماغير ذلك….وكل مايتطلبه الامر ابتسامة تشجيع….وسلام ودود منك..
اهم صفة يتميز بها الطبيب وتجذب انتباه مرضاه هي..”الثقة”…حيث ان النجاح في التشخيص والبراعة في إجراء الجراحات الدقيقة لاتساوي شيئا امام شعور المريض بالأمان فقط..فلو فشل الطبيب بأن ينقل لمريضه احساس الثقة والأطمئنان..ستصبح كل مزاياه الاخرى غير ذات قيمة…فكيف يستلقي شخص مغمض العينين ومستسلم تماما بين يدي طبيبه وهو لايثق به في المقام الأول.
كانت الحضارات السابقة تطلق على الطبيب لقب الحكيم…ولا اعتقد ان للموضوع علاقة بكمية
المعلومات التي يختزنها دماغه وانما قابلية التصرف بدهاء مع الآخرين….وفي حضارات اخرى كان الطبيب هو ساحر القبيلة..الذي يجبر الآخرين على الانصياع لأوامره….ومن وجهة نظري فهذا أمر قريب للحقيقة…..نعم…ففي احيان كثيرة تضطر للتعامل بإسلوب الساحر مع المريض وخاصة ذلك الذي يتسم بالعناد فتقنعه بكلمات مؤثرة بإتباع نصائحك في ترك التدخين مثلا…او الألتزام بحمية غذائية ما…..
الطب ليس رداءا ابيضا وحسب وانما علاقات انسانية متوترة تكون فيها انت اللولب المحرك وعليك تحويل مسار الاحداث بما يضمن صحة وسلامة مريضك لأنك بكل بساطة تتعامل مع الجنس البشري وهو في اضعف حالاته…سواء أكانت حالة الألم المبرح..اليأس او الخوف…ونموذج كهذا يكون هشا جدا وقابلا للعطب وبإمكان نظرة منك ان تتلاعب بمشاعره وحتى صحته الجسمانية…فترفق…بنظرتك..بنبرة
صوتك وبما تجني يديك…فإنك مسؤول عنه يوما.

أحدث المقالات

أحدث المقالات