22 ديسمبر، 2024 8:08 م

أنا وابن خلدون واختلاف في الرأي!

أنا وابن خلدون واختلاف في الرأي!

مما لا شك فيه أن العلامة ابن خلدون يعد مؤرخاً وعالماً اجتماعياً وفقيهاً معروفاً، واشتهر بكتابه المقدمة، لما في أفكاره من بعد النظر ومحاولاته لدراسة المجتمع الإنساني من جميع جوانبه، ويعد مؤسس علم الاجتماع.

فكرت ملياً ولساعات بل لأيام وبعد قراءة متمنعة في عدد من البحوث الأكاديمية التي تناولت المواضيع التي ذكرها العالم ابن خلدون في كتابه وخاصة المتعلقة بأسباب انهيار الدول والحضارات وبيّن ان لكل منها أجلّ محتوم ولابد لها أن تزول وهذا من سنن الله تعالى في الحياة وانه أشار الى عدد من الاسباب التي إن انتشرت وتفشت في أي مجتمع فإنها تعجل من الانهيار لأنها تضرب العمود الفقري لتلك الدول وتقف حائلا دون النهوض وتفقدها عوامل البقاء أطول.

إن أهم ما أشار إليه العالم الجليل هو نبذ الدين وانتشار الفواحش والمعاصي والظلم وتقليد الغالب والانهزام الفكريّ والاخلاقي والغنى الفاحش وزيادة الضرائب واكل أموال الناس بالباطل وانشغال الحكام بأعمال التجارة وغيرها من الأمور.

تحدثت في نفسي وناقشت هذه الاسباب وحاولت مقارنتها بالواقع وأيقنت انها صحيحة تماماً وبها انهارت الدول ولكني اختلف مع هذا العالم القدير في مسألة (مع جل احترامي وتقديري له وما بذله من جهود ونحن لا نرتقي إلى ادنى ما قدمه) وهي ان الاسباب التي ذكرها إن كانت تصلح لزمان أو مكان معينين فانها ليست بذات التأثير لكل زمان ومكان، لأن الحياة في تطور مستمر وتغير من حال الى حال.

مناقشتي مع ابن خلدون على الاسباب دون المساس به كعالم جليل واعتقد انه من حقي وحق كل انسان ان يدلي برأيه ويقول ما في جعبته، بكل أدب واحترام لان الأختلاف في المسائل محمود والخلاف منبوذ.

من خلال قراءتي المتواضعة استنتجت إلى وجود دول كثيرة في عالمنا اليوم باقية ورصينة وتحكم العالم مع وجود الاسباب التي ذكرها ابن خلدون فيها ان الاسباب التي سأذكرها كانت وراء انهيار العديد من الدول والإمبراطوريات وزوال الحضارات وانهاء حكم الأمراء والملوك والحكام، منها:

فقدان الشعوب، الشعوب باختلاف أنواعها ومكوناتها وألوانها هم اساس بناء الدول والحضارات والمغزى من وجود الحكومات، فالدولة التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع شعبها وتكسب حبهم و ودهّم وتحميهم من كل أنواع الظلم والفساد والفقر وتجعل منهم كتلة واحدة وتتعامل معهم بسواسية اي على قدم المساواة والعدالة الاجتماعية وتحاول تضييق الفجوة والفروقات بينهم.

إن الدولة التي تفقد ثقة شعبها ولا تستطيع ان تزرع في قلوبهم حب الوطن والكرامة والحرية والعدالة واحترام الذات والمقدسات والانسانية والانتماء الوطني، تكون اقرب الى الانهيار وتقف على حافة الهاوية.

الشعب المخلص هو الذي يقاتل من أجل وطنه ويضحي بكل شيء في سبيل بقائه شامخاً ولنا في التاريخ أمثلة كثيرة لشعوب وقفوا وناضلوا حتى النصر ورفعوا وطنهم تاجاً على روؤسهم خاصةً في اوقات الحروب والأزمات والكوارث ومنعوا الانهيار ان يقترب منهم.

الخيانة: داء بل ومن اكثرها تاثيراً وشراسةً عندما تصيب ابناء دولة او حضارة، وهي باختصار مساعدة الاعداء وتزويدهم بالمعلومات اللازمة وما يحتاجونه للدخول الى بلادهم والسيطرة عليها، من المعلوم ان للخيانة اسباب وطرق مختلفة لا مجال لذكرها.

فكم من دولةٍ وحضارةٍ كانت ضحية لخيانة أحد أبناءها والمسك بيد اعدائها الذين مسحوها من الوجود مهما بلغت قوتها، واحتلال الصين لثلاث مرات على الرغم من بناء سورها العظيم لخيانة الحراس خير مثال.

إذاً بناء الإنسان على قيّم الإخلاص وحب الوطن والدفاع عنه والوفاء للتاريخ والتضحيات والتمسك بالأرض والمقدسات والعَلَم خير سند لديمومة الدول واستقرارها من الاهتزازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعددة.

تغيير الأهداف: الحياة صراع من أجل البقاء وما بناء الجيوش والترسانات العسكرية والأجهزة الأمنية والبنية التحتية الاقتصادية والمجتمع السليم من الارهاب والعنف والعنصرية إلا أدوات من أجل البقاء وتحقيق المزيد من الاستقرار والازدهار.

الشعوب والدول التي تحمل في نفسها أهدافاً كبيرة وطموحات أكبر تضع برامج ومخططات بمستوى اهدافها، فالدولة التّي لديها افكارا ً توسعية وتحلم ببناء الإمبراطورية تكون قادرة على البقاء اطول ومواجهة التحديات الكبرى بصلابة وقوة، أما الدولة التي لا تحمّل أهدافا كبيرة تبقى رهينة للغير يفعل بها ما يشاء.

فكم من شعب غيّر من أهدافه من اهدافٍ كانت تبلغ عنان السماء إلى الرضا بالقليل ولقمة العيش، فكان نصيبه الزوال والنهاية.

الصراع لا يرحم وبين الأقوياء يكون أشد وأشد ويصنّع الكبار والقادة القادرين على التغيير والتغلب ويميزهم عن الصغار الذين لا همّ لهم سوى الاتباع والتقليد الاعمى.

هذا باختصار شديد رأيي المتواضع الذي اختلف به عن رأي العالم القدير ابن خلدون الذي كان صائباً وصادقاً في بيان أسباب انهيار الدول لفترات وأعتقد أنه لو عاش في زماننا لغير بعض الشيء عن رأيه، لأننا في زمانٍ ليس كزمانه مع كل الاحترام له وقدم لنا الكثير والكثير.

اتمنى أن أكون قد وفقت وتمكنت من إيصال الرسالة الى كل من يعنيه الموضوع ويستفيد منها وأن يكون محركاً هادئاً للأفكار والرؤى لنرتقي بمجتمعتنا نحو الأفضل والمستقبل المشرق.

ليبقى وطننا آمناً ومزدهراً ونجماً لامعاً في سماء الدنيا، لأننا أصحاب تاريخ وحضارة عظيمة..