9 أبريل، 2024 7:29 ص
Search
Close this search box.

أنا مُعارِض

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا يختلف اثنان حتى من بين الحزبيين أنفسهم، أن الأحزاب في العراق لا يمكن لها أن تقدم مصلحة الشعب بشكل عام على مصالحها الحزبية الضيقة، تلك حقيقة لا أعتقد أن أحداً بحاجة إلى أن يستدلّ عليها كثيراً أو أن يجهد نفسه بإقامة البرهان.

فإذا ما رأيت حزباً ما، مشتركاً في السلطة، ومنخرطاً في عملية الدفاع عن رئيس الحكومة، فلا يعتبر دفاعه -بناءً على تلك النظرة- دليلاً على نزاهة الحكومة، في الأقل لا يعتبر دليلاً من هذه الجهة، وإلا فإني أعتبر من ناحيتي أن هناك علاقةً اطراديةً بين تصاعد وتيرة الدفاع عن الحكومة على لسان الأحزاب وتوفر الدواعي للشكّ في مصداقيتها، وليس هذا الاعتقاد مؤسساً على الفراغ كما يخيل للبعض، بل هو اعتقادٌ مؤسسٌ على تلك البديهة التي يسلِّم بها كل عراقي كما قلنا، إذ لا يعتقد أحد أن ثمة حزباً من هذه الأحزاب يبتغي فعلاً تحقيق المصلحة الوطنية العامة للشعب العراقي، بل يبتغي فقط تحقيق أهدافه الخاصة في ضمان النفوذ السياسي والمال، وبطبيعة الحال لا يمكن لهذين الهدفين أن يتحققا إلا في حالة واحدة، تتمثل في أن يوجد رئيس ضعيف الشخصية، موافق على التسليم المطلق لكلِّ رغبات القادة والساسة في تلك الأحزاب، بحيث يكون مستعداً في أية لحظة لتقديم مصالحها الانتهازية الخاصة على مصالح البسطاء من عموم الناس.

يريد البعض أن يبرهن على تجاوز حكومة المحاصصة الحالية للأخطاء التي ارتكبتها الحكومة السابقة بالقول ان هناك توافقاً سياسياً انضمت إليه الأحزاب والتيارات السياسية المهمة في البلاد، وعلى

الرغم من أن مثل هذا الزعم لا يعبر عن حقيقة تتوفر لها الضمانات على استمرارها في المستقبل، إذ الواقع يشير إلى أنها اتفاقات هشة لا قيمة لها في الميزان السياسي، لأنها لم ترتكز على أسس وطنية صحيحة من شأنها أن تضمن حالة الديمومة والاستمرار لهذه الاتفاقات، إلا أننا حتى لو تجاوزنا هذه الحقيقة، فإن مثل هذا الاستدلال لا قيمة له واقعاً، لأن اتفاق هذه الأحزاب والتيارات السياسية التي كانت هي بذاتها العامل الأساس في ما وصل إليه العراق من الخراب طوال التأريخ السابق، لا يمكن أن يشير إلا إلى حقيقة واحدة لا غير، وهي أن هذه الأحزاب والتيارات السياسية المتناحرة ما اجتمعت على تأييد السيد العبادي إلا لأنها رأت فيه عز الطلب من جهة أنه ضعيف الشخصية أولاً، ومن جهة أنه قدَّم لهم جميعاً مختلف الضمانات التي تجعلهم أصحاب هيمنة وقدرة على العبث بمقدرات العراق ولو ضمن أطر قانونية في الظاهر، ولكي لا نظلم السيد العبادي نشير إلى أن هذه النتيجة لا بدَّ أن تحصل في ظل أية حكومة تعتمد على نظام المحاصصة في توزيع المناصب والوظائف الإدارية العالية في أي بلد في العالم، لا سيما في بلد تعتبر فيه الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في السلطة من أخطر المافيات السياسية في العالم المعاصر كالعراق.

أعجبني التشبيه الذي أطلقه أحد الكتاب على مثل هذه الحالة إذ اعتبر الأحزاب المشاركة في السلطة في ظل حكومة المحاصصة بمثابة مهاجمين فاشلين، يريدون أن يسجلوا أعلى الأهداف من أوضاع غير قانونية في الكثير من الأحيان دون أن يحاسبهم أحد، وهو ما يتطلب منهم أن يعملوا جاهدين من أن يوجد في المرمى حارس ضعيف لا يقوى على صد الكرات المتتابعة في الهجمات الضعيفة حتى، وبالفعل، ينطبق مثل هذا التشبيه تماماً على الحالة التي عبر عنها موقف التأييد العلني المفاجئ الذي تبنته الأطراف الحزبية المهمة للسيد العبادي، فهو يمثل بالنسبة إليهم جميعاً، سواء كانوا من الشيعة

أو من السنة أو من الأكراد، هذا الحارس الضعيف غير القادر على صد الكرات في أبسط الهجمات.

لا يهمنا كمواطنين بسطاء أن تكون الأحزاب راضية عن السيد العبادي، إن رضاها لا يقدم شيئاً ولا يؤخر في ميزان الغايات التي تشكل محور اهتمام الشعب الذي عانى الفقر والفاقة في ظل الحكومات المتتابعة بعد الاحتلال، نحن كمواطنين إنما ننظر إلى نجاح الحكومة أو فشلها في أداء مهامها على أساس ما تستطيع تقديمه من الخدمات وتحجيم البطالة وتعزيز مفردات الحصة التموينة، مضافاً إلى فتح منافذ في مجال التكافل والضمان الاجتماعي تنتفع منها الطبقات الفقيرة والمتوسطة، يضاف إلى ذلك تحسين الأداء في مجال التعليم والصحة، ناهيك عن مسؤولية الدولة الكبيرة في الحفاظ على أمن البلاد، هذا هو ما يجب أن يكون المعيار الذي نحتكم إليه في مجال تقييم عمل الحكومة، ولا يصلح أن يكون رضا الأحزاب أو عدم رضاها –مع القطع بأنها جميعاً تقدم مصالحها الذاتية والحزبية على المصلحة العامة للشعب- معيارنا في هذا السياق.

يجب أن لا ننخدع بتلك الإنجازات الوهمية التي تعرضها أية حكومة تأتي هي ومطبلوها للاستهلاك الإعلامي والمحلي، كتلك الضجة التي قامت ولم تقعد حول الكشف عن أسماء الفضائيين في الجيش والشرطة، ففضلاً عن أنها ليست بريئة من الأغراض السياسية التي تقف وراءها، مما لا أريد أن أتكلم عنه كلاماً واضحاً ربما يثير حساسية مكون معين، فإنها لا تمثل خطوة مهمة وكبيرة في المسار العام لمكافحة الفساد، وأعتقد أن ممثل المرجعية الشيخ مهدي الكربلائي أشار بشكل لا يقبل الشك إلى عدم وجود خطة واضحة المعالم لمعالجة الفساد المستشري في مفاصل الدولة، ما يعني أن المرجعية ذاتها غير مقتنعة أساساً بأن حكومة السيد العبادي ماضية فعلاً في هذا المسار، إلا أنها تفضل منح الفرصة للسيد العبادي حتى يثبت في المستقبل جديته أو عدم جديته في هذا الشأن، فإذا ما تجاوزنا

هذه النقطة الخاصة بالفضائيين، والتي قلنا إنها خطوة قابلة للتحليل بحيث يمكن إدراجها في إطار اتفاقيات مسبقة بين العبادي وبعض الأطراف التي دعمته في الوصول إلى منصب الرئيس من مكون معين، من أجل احداث تغييرات جذرية في المعادلة المذهبية للجيش العراقي، فإننا لا يمكن أن نشير إلى أي إنجاز يصب بالفعل في مصلحة الطبقات المتعبة في البلاد، فالرواتب الضخمة للمسؤولين وأصحاب الدرجات الخاصة هي الرواتب، والامتيازات هي الامتيازات، واستغلال الأحزاب بل احتكارها للوزارات التي حصلت عليها بموجب اتفاق المحاصصة هو الاحتكار، وإقصاء سائر طبقات الشعب من كل ما يمكن أن يكون لهم حق فيه هو الإقصاء، بلا أي تغيير أو تحوير أو تبديل، ناهيك عن أن هناك تراجعاً كارثياً حصل في مستوى الخدمات وإنجاز المشاريع عن المستوى العام الذي كانت تمثله في السابق رغم المآخذ الكبيرة على الحكومة السالفة، وبدلاً من أن تقوم الحكومة بتحسين مفردات البطاقة التموينية تم اجتثاثها بالكامل، إلا من أطلال بقيت منها لا تسمن ولا تغني من جوع، علاوة على التراجع الكبير الذي حصل في دعم قطاعي التعليم والصحة، فقد اجتثت الدولة نهائياً المعونات البسيطة التي كان يستلمها طلبة الدراسات العليا العاطلون عن العمل، وطلبة الدراسات الأولية، كما أقدمت الحكومة على بتر جزء معتد به من رواتب المتقاعدين، الذين ربما كان معظمهم مسؤولين عن إعالة العوائل التي يعتبر غالبية أفرادها من العاطلين عن العمل، إلى عدد آخر من القرارات المجحفة بحق الطبقات المتعبة على وجه التحديد بذريعة التقشف، في حين لم نر ولم نسمع أن قوانين التقشف قد طالت السيد العبادي نفسه ولا أحد وزراء حكومته، ولا أحداً من أصحاب الدرجات الخاصة الذين تجاوز عددهم المئات إلى الآلاف المؤلفة في البلاد الآن.

كل ما يتخذه العبادي من القرارات ذات الصلة المباشرة بحياة المواطن العادي يشير إلى أن سياسته ليست في المسار المنحاز إلى

الطبقات الفقيرة والمتعبة، لأنه يريد أن يطبق قوانين التقشف على أفراد هذه الطبقات بالذات، ويستثني منها الطبقات الغنية والمتخمة، وهو من هذه الأخيرة طبعاً، فلا يستحقُّ المدح والإطراء بعد ذلك إلا على لسان الانتهازيين السلطويين والأغبياء.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب