23 ديسمبر، 2024 3:30 ص

بدأ الإنسان الأول فردا ينازع العالم كلّه على اللقمة والصيد والنار.
يَقتل ويُقتل من أجل البقاء.
ثمّ بدأ التحضر. ومعه زالت تلك النزعة الفردانية الضيقة لتحلّ محلها نزعة الروح الجماعية والتعاون والتعايش.
وجاءت الأديان السماوية لترسخ تلك القيم وتدعو إلى التسامح والمودّة والتآزر وتعد الإنسان بالثواب إن هو أحبّ وإن هو تضامن وإن هو تعاون.
حتّى إذا ابتعد الإنسان عن المركز الروحي وبدأت المادية تغزو حياته وتطغى على جانبها الروحي بدأنا نشهد عودة الحالة البدائية والتفكير الفرداني والنزعة الضيقة وصولا إلى ما يقرب من شريعة الغاب.
كنّا حتّى وقت قريب نشهد حملات التضامن والإغاثة والعمل الطوعي المنزه عن كلّ غرض وطمع وصفقات فإذا بالدنيا تنقلب مرّة واحدة لنشهد من يتاجر بالعمل الإنساني ومن يتخذ من هذه القضية الإنسانية مادة للدعاية وقميصا للثأر ومناسبة للإثراء.
بدأنا نسمع نغمة ” أولا ” تجتاح بلاد المعمورة
فصار كل شعب ينادي بأولوية مصالحه وتقدّم مصلحته على مصالح الآخرين ولو كانت بهم خصاصة وكانت عنده وفرة.
حتّى أمريكا
هذا البلد الذي لم يسعَ في حياته لخير ركب موجة ” أمريكا أولا ” وكأن أمريكا كانت قبل هذا مرضعة الذئاب أو جابر عثرات الكرام أو حاتم الطائي.
في هذا الزمن البائس صارت الأنانية هي السيّد.
وبدأ كلّ منّا يتململ ليصرخ في يوم من الأيام على رؤوس الأشهاد:
أنا أولاً
وقد قالها الكثيرون منذ سنين من دون تململ ومن دون أن ترفّ لهم جفن.