(*)
هناك مَن يرى أن (الرواية تراث أيضا) حتى لو أستخدمت الرواية في أفعالها صيغة الحاضر والسبب أن الرواية تُقبل من الذاكرة* وربما يكون السبب أن فعل الكتابة مسبوق بفعل الفعل، فكل رواية تستذكر حدثا معينا،ثم يهبط التذكار من الذاكرة إلى السبّابة والإبهام ليسطرّه قلمٌ أو كيبورد، ولا يستقر التذكرُ على حالٍ فهو بين شطبٍ وتغيير، وشحنات مخيال وارتحالات وتماه ..إلخ لأن فعل التذكر لايأتي وحده إذ تختفي فيه جوقة ٌ هندسية ٌ لا تمل من التلاسن مع المؤلف حتى يعقد الطرفان في النهاية ميثاق صنعة روائية وهذا الميثاق بقناعة الطرفين قابل للمتغيرات النصية إلى أن يقتنع النص بجماليات نصيته.فالنص يمتلك كينونة مستقلة عن خالقها يمتلك شخصية معتدة بذاتها،تتمرد على المؤلف..كما أن المؤلف الذي يجامل القراء يستهلك نفسه، لكن المؤلف ينتظر قارئا ذا خبرات ٍ في تذوق روايته،ليقوم بملء فراغات فيها..
(*)
فعل التذكرتسعيده الرواية الأخيرة للروائي العراقي شاكر نوري( طائر القشلة ): تبدأ الرواية من ما بعد نهاية الحدث الذي تتمحور عليه الرواية، في القراءة الثانية للرواية شعرتُ أنني أصغي إلى بطلة فيلم تايتيك ..لكنها تاتنيك من طراز عراقي خاص. تبدأ الرواية بعد ثلث قرن ونيف على ماجرى، والساردة هي الحبيبة أصيل : (مرّت أربعون سنة ً مثل ومضة ٍ خاطفة ٍ في ذهني /9) إذن نحن في 2057..لأن غدير عثر عليه مقتولا في 2017.. وأصيل آنذاك في طراوة وردة العشرين عاما. أما الآن – الآن ضمن الزمن الروائي- فهي على مشارف السبعين ..
(*)
الفعل الروائي المصنّع من قبل المؤلف شاكر نوري، نقل غدير من خشبة المسرح
إلى كتاب مطبوع بإجناسية روائية، يتحرك غدير وأصيل وشلتهما بفعل قراءة الرواية وهكذا اكتسب غدير كينونة روائية لا تتوقف عن الجريان، وإذا كان
(الموت هو أسوأ ما يمكن أن يحل بالإنسان من أشكال العنف/ 426- العنف والمقدس ) بشهادة رينية جيرار،فأن المؤلف شاكر نوري نفّذ بشكل مبدع وصية كزنتزاكيز
وهذا التنفيذ موجع حقا وبشهادة شاكر(إن إعادة تركيب الجمال الميت شيء مهول،وقاس وجبار، وفيه الكثير من الألم…)..و شاكر نوري مبدع و(المبدع يسكن حرّيته وخياره في الترحل والإقامة /42- سيف الرحبي) ..
(*)
أما أوّل لقاء لأصيل مع غدير فتعلن عنه أصيل في ص140(لمحت غدير للمرة الأولى على خشبة المسرح في كلية الفنون)..
(*)
التسارد الروائي في هذه الرواية يكتنز جهوياتٍ ثرة ً، ولا يقتصر التسارد على الشخوص، إذ للون سردياته من خلال خالد الرسام، وأستاذ الجماليات يسرد مستعيدا الجمالي المغيّب نكاية بالمقبوح المستبد المهيمن الآن و(هذا الليل يفّك أسرارعزلتنا، وعزلة عشّاق المدينة التي هجروها/130) لهذا اليل سردياته من خلال المشّاء الساري غدير وسردياته مغلقة في عراء مفتوح :(..وتحت ظلام ليل بغداد،كنت أهمسُ إلى قريني الذي كان يلازمني،وظلي الذي لايفارقني ليلاً،ويحاول أن يتماهى معي ويختفي عنّي.كم جميل ٌ أن يتهامس أثنان ويكون الليل ثالثهما،يصغي لأسرارهما دون تردد أو خجل../ 54).. وهناك ما تسرده الحانة في الليل وسردها الليلي لايتجاور مع سرديات الليل بالمفرد من خلال تكليم غدير لذاته وللأشياء. نعم لا يتجاور ولكن لا يتقاطع وسنرى من خلال الرواية حياتين للحياة الواحدة حياة الجبر النمطي وحياة الاختيار الحر. ولا منزلة بين المنزلتين (الحياة جميلة على خشبة المسرح،ولكنّها قبيحة خارجه/ 200) هذا الانفصام يحوّله غدير تساؤلا وجوديا( لماذا الانفصام بين الأثنين؟ هل كُتب علينا أن ننعزل في بقعة صغيرة اسمها المسرح؟ في كواليسها نعيش كل حلامنا، ولكن شرط ألاّ تخرج عن جدرانه،الحياة جميلة،فلنعشها بسعادة..هكذا يصرخ الممثلون على خشبة المسرح)..إذن حياة المسرح هي دعوة الحياة فنيا: لحياة مقترحة بإرادات أصحابها، لكنها للأسف تتصير فقط : محاولة ً جادة ً في مسرحة اليومي، وهي مسرحة تقع ضمن يقظة أمواه الحياة..
(*)
ثمة ما يستوقفني صوتيا في مفردة كواليس فهي تستدعي توأمها اللفظي كوابيس والسيادة في حياتنا للمفردة الثانية ولا نتحرر منها عراقيا أما بالطيران المتشظي بعطاب أجسادنا تفخيخيا ..أو بتنقيع أجسادنا غرقا في ملوحة البحر الخؤون المتوسط ونحن نحاول خلاصا بزوارق المجازفة المطاطية المنخورة .في مثل هذا الاحتدام العراقي المخوزق يبزغ المسرح مساجا وتطهيرا جمعيا (هذه فكرة إبداعية ..يجب إنقاذ ذواتنا وذوات الآخرين مِن المستنقع الذي وضعونا فيه ../62)
(*)
كل مسمار في خشبة المسرح، يغوي باستعمال الخشبة صلبانا للمسرحيين الذين يمسرحون حياتهم…وهكذا يدفعون حياتهم – تنا نحو الأمام المتحرر.
(*)
حياتنا : واحدة نتجرعها كالدواء وأخرى نفتديها بأرواحنا على المسرح، لكني أرى أن هناك مسرحين: عرفنا المسرح الأول في الرواية، أما.. الثاني فسنراه مبأراً من خلال عينيّ أصيل المتساءلتين بوجع عراقي صميم (ماذا صنعت َ بنا أيّها الليل؟ متى نتحرّر من رهبتك التي أحالت بغداد إلى مسرح للخاطفين والقتلة ../54)
—————————————————————————*هذه المقالة وجيز مبحث عن الرواية وهذا الوجيز منشور في (طريق الشعب) 23/ 6/ 2019
*مبحثي عن هذه الرواية: قريبا سيكون منشورا في مجلة عربية
*شاكر نوري/ طائر القشلة / دار المؤلف/ بيروت/ ط1/ 2019-
*بخصوص (الرواية تراث أيضا) يقولها أحدى شخصيات رواية (مَن يخاف مدينة النحاس؟) للشاعر فوزي كريم/ دار المتوسط/ ميلانو/ ط1/ 2018
*رينيه جيرا/ العنّف والمقدس/ ترجمة رشا/ المنظمة العربية للترجمة / ط 1/ بيروت /2009
*سيف الرحبي/ حياة على عجل / دار الانتشار العربي/ ط1/ بيروت / 2009
*بخصوص سرد الليل أو الليل كشخصية ساردة تناولته مقالتي (الليل في قصص محمود عبد الوهاب) ص81 في كتابي (الأذن العصية واللسان المقطوع/ دار الينابيع/ دمشق / 2009
أناقته تستحقّ شوارع أفضل تساردات (طائر القشلة) للروائي شاكر نوري
مقداد مسعود
(*)
هناك مَن يرى أن (الرواية تراث أيضا) حتى لو أستخدمت الرواية في أفعالها صيغة الحاضر والسبب أن الرواية تُقبل من الذاكرة* وربما يكون السبب أن فعل الكتابة مسبوق بفعل الفعل، فكل رواية تستذكر حدثا معينا،ثم يهبط التذكار من الذاكرة إلى السبّابة والإبهام ليسطرّه قلمٌ أو كيبورد، ولا يستقر التذكرُ على حالٍ فهو بين شطبٍ وتغيير، وشحنات مخيال وارتحالات وتماه ..إلخ لأن فعل التذكر لايأتي وحده إذ تختفي فيه جوقة ٌ هندسية ٌ لا تمل من التلاسن مع المؤلف حتى يعقد الطرفان في النهاية ميثاق صنعة روائية وهذا الميثاق بقناعة الطرفين قابل للمتغيرات النصية إلى أن يقتنع النص بجماليات نصيته.فالنص يمتلك كينونة مستقلة عن خالقها يمتلك شخصية معتدة بذاتها،تتمرد على المؤلف..كما أن المؤلف الذي يجامل القراء يستهلك نفسه، لكن المؤلف ينتظر قارئا ذا خبرات ٍ في تذوق روايته،ليقوم بملء فراغات فيها..
(*)
فعل التذكرتسعيده الرواية الأخيرة للروائي العراقي شاكر نوري( طائر القشلة ): تبدأ الرواية من ما بعد نهاية الحدث الذي تتمحور عليه الرواية، في القراءة الثانية للرواية شعرتُ أنني أصغي إلى بطلة فيلم تايتيك ..لكنها تاتنيك من طراز عراقي خاص. تبدأ الرواية بعد ثلث قرن ونيف على ماجرى، والساردة هي الحبيبة أصيل : (مرّت أربعون سنة ً مثل ومضة ٍ خاطفة ٍ في ذهني /9) إذن نحن في 2057..لأن غدير عثر عليه مقتولا في 2017.. وأصيل آنذاك في طراوة وردة العشرين عاما. أما الآن – الآن ضمن الزمن الروائي- فهي على مشارف السبعين ..
(*)
الفعل الروائي المصنّع من قبل المؤلف شاكر نوري، نقل غدير من خشبة المسرح
إلى كتاب مطبوع بإجناسية روائية، يتحرك غدير وأصيل وشلتهما بفعل قراءة الرواية وهكذا اكتسب غدير كينونة روائية لا تتوقف عن الجريان، وإذا كان
(الموت هو أسوأ ما يمكن أن يحل بالإنسان من أشكال العنف/ 426- العنف والمقدس ) بشهادة رينية جيرار،فأن المؤلف شاكر نوري نفّذ بشكل مبدع وصية كزنتزاكيز
وهذا التنفيذ موجع حقا وبشهادة شاكر(إن إعادة تركيب الجمال الميت شيء مهول،وقاس وجبار، وفيه الكثير من الألم…)..و شاكر نوري مبدع و(المبدع يسكن حرّيته وخياره في الترحل والإقامة /42- سيف الرحبي) ..
(*)
أما أوّل لقاء لأصيل مع غدير فتعلن عنه أصيل في ص140(لمحت غدير للمرة الأولى على خشبة المسرح في كلية الفنون)..
(*)
التسارد الروائي في هذه الرواية يكتنز جهوياتٍ ثرة ً، ولا يقتصر التسارد على الشخوص، إذ للون سردياته من خلال خالد الرسام، وأستاذ الجماليات يسرد مستعيدا الجمالي المغيّب نكاية بالمقبوح المستبد المهيمن الآن و(هذا الليل يفّك أسرارعزلتنا، وعزلة عشّاق المدينة التي هجروها/130) لهذا اليل سردياته من خلال المشّاء الساري غدير وسردياته مغلقة في عراء مفتوح :(..وتحت ظلام ليل بغداد،كنت أهمسُ إلى قريني الذي كان يلازمني،وظلي الذي لايفارقني ليلاً،ويحاول أن يتماهى معي ويختفي عنّي.كم جميل ٌ أن يتهامس أثنان ويكون الليل ثالثهما،يصغي لأسرارهما دون تردد أو خجل../ 54).. وهناك ما تسرده الحانة في الليل وسردها الليلي لايتجاور مع سرديات الليل بالمفرد من خلال تكليم غدير لذاته وللأشياء. نعم لا يتجاور ولكن لا يتقاطع وسنرى من خلال الرواية حياتين للحياة الواحدة حياة الجبر النمطي وحياة الاختيار الحر. ولا منزلة بين المنزلتين (الحياة جميلة على خشبة المسرح،ولكنّها قبيحة خارجه/ 200) هذا الانفصام يحوّله غدير تساؤلا وجوديا( لماذا الانفصام بين الأثنين؟ هل كُتب علينا أن ننعزل في بقعة صغيرة اسمها المسرح؟ في كواليسها نعيش كل حلامنا، ولكن شرط ألاّ تخرج عن جدرانه،الحياة جميلة،فلنعشها بسعادة..هكذا يصرخ الممثلون على خشبة المسرح)..إذن حياة المسرح هي دعوة الحياة فنيا: لحياة مقترحة بإرادات أصحابها، لكنها للأسف تتصير فقط : محاولة ً جادة ً في مسرحة اليومي، وهي مسرحة تقع ضمن يقظة أمواه الحياة..
(*)
ثمة ما يستوقفني صوتيا في مفردة كواليس فهي تستدعي توأمها اللفظي كوابيس والسيادة في حياتنا للمفردة الثانية ولا نتحرر منها عراقيا أما بالطيران المتشظي بعطاب أجسادنا تفخيخيا ..أو بتنقيع أجسادنا غرقا في ملوحة البحر الخؤون المتوسط ونحن نحاول خلاصا بزوارق المجازفة المطاطية المنخورة .في مثل هذا الاحتدام العراقي المخوزق يبزغ المسرح مساجا وتطهيرا جمعيا (هذه فكرة إبداعية ..يجب إنقاذ ذواتنا وذوات الآخرين مِن المستنقع الذي وضعونا فيه ../62)
(*)
كل مسمار في خشبة المسرح، يغوي باستعمال الخشبة صلبانا للمسرحيين الذين يمسرحون حياتهم…وهكذا يدفعون حياتهم – تنا نحو الأمام المتحرر.
(*)
حياتنا : واحدة نتجرعها كالدواء وأخرى نفتديها بأرواحنا على المسرح، لكني أرى أن هناك مسرحين: عرفنا المسرح الأول في الرواية، أما.. الثاني فسنراه مبأراً من خلال عينيّ أصيل المتساءلتين بوجع عراقي صميم (ماذا صنعت َ بنا أيّها الليل؟ متى نتحرّر من رهبتك التي أحالت بغداد إلى مسرح للخاطفين والقتلة ../54)
—————————————————————————*هذه المقالة وجيز مبحث عن الرواية وهذا الوجيز منشور في (طريق الشعب) 23/ 6/ 2019
*مبحثي عن هذه الرواية: قريبا سيكون منشورا في مجلة عربية
*شاكر نوري/ طائر القشلة / دار المؤلف/ بيروت/ ط1/ 2019-
*بخصوص (الرواية تراث أيضا) يقولها أحدى شخصيات رواية (مَن يخاف مدينة النحاس؟) للشاعر فوزي كريم/ دار المتوسط/ ميلانو/ ط1/ 2018
*رينيه جيرا/ العنّف والمقدس/ ترجمة رشا/ المنظمة العربية للترجمة / ط 1/ بيروت /2009
*سيف الرحبي/ حياة على عجل / دار الانتشار العربي/ ط1/ بيروت / 2009
*بخصوص سرد الليل أو الليل كشخصية ساردة تناولته مقالتي (الليل في قصص محمود عبد الوهاب) ص81 في كتابي (الأذن العصية واللسان المقطوع/ دار الينابيع/ دمشق / 2009