تمثل القيم مركزاً ومحوراً مهماً في بناء هوية الإنسان ،لما لها من أهمية كبرى في حياة الفرد، كما تلعب القيم دوراً فاعلاً في تكوين شخصيته من خلال تحليل سلوكه وفهمه,وتعد القيم الأخلاقية من أهم المجالات في دورها البارز في تحديد معالم الشخصية، وتعمل القيم الأخلاقية بشكل دائم على تأهيل الإنسان اياً كان دينه وانتمائه وعقيدته حتى يكون إيجابياً وفعالاً في الحياة،والقيم بمعناها الاصطلاحي الشامل تعني (مجموعة معايير تتكون لدى الفرد تمكنه من تحقيق هدفه في الحياة) وقيل هي (مجموعة المبادئ والقواعد والمثل العليا التي يتخذ منا الناس ميزاناً يزنون بها أعمالهم، ويحكمون بها على تصرفاتهم المادية والمعنوية)وعلاقة القيم بالتنمية علاقة وثيقة، فالتنمية تقوم على مجموعة من القيم أهمها: القيم النظرية: وهى تعنى بالمعرفة واكتشاف الحقيقة، والتعرف على حقائق الأشياء. القيم الاقتصادية: وتعنى بالمنفعة المادية، وتحصيل الثروة عن طريق الاستثمار ممثلة في رجال الأعمال والاقتصاد. القيم الاجتماعية: وتتضمن الاهتمام بالناس ومحبتهم ومساعدتهم وخدمتهم، لتحقيق أهدافهم في الحياة عن طريق السلوك الاجتماعي. القيم الأخلاقية: وهي مجال هذه الدراسة وهي من أهم القيم المؤثرة في حياة الفرد، لكونها تحدد نوع تعامله مع الغير، وتغرس المحبة في نفوس الآخرين، وتعمل على كسب القدوة الحسنة، والقصد الحسن مما له أثر على نجاح العملية التنموية. ومن هنا يمكن تعريف (القيم الأخلاقية) بأنها: المبادئ والمعايير التي توجه الفرد وتضبط سلوكه في الحياة، ويتحدد بموجبها مدى فاعليته في المجتمع.
يقول أحد المستشرقين: أذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي: أولاً : هدم الأسرة. ثانياً : هدم التعليم. ثالثاً : تسقيط القدوات والمرجعيات. لكي تهدم اﻷسرة:عليك بتغييب دور (اﻷم) اجعلها تخجل من وصفها ب”ربة بيت” ولكي تهدم التعليم: عليك ب(المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى
يحتقره طلابه. ولكي تسقط القدوات: عليك ب (العلماء) اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد. فإذا اختفت (اﻷم الواعية) ,واختفى (المعلم المخلص) ,وسقطت (القدوة والمرجعية)
القيم الصادقة للأسرة هي التي تغذي الطفل منذ صغره بالثوابت والمبادئ وترشده للصح والخطأ وتحصنه أمام ثقافة الحقد الكراهية ,الأب يتحمل جزءاً لكن الجزء الأكبر تتحمله الأم لأنها ربة البيت هي التي تضحي وتعطي وتسهر الليالي ,وهي من تروض أبنائها للمحبة والمودة أو الكره والبغضاء ,فتقول لأبنها هذا :عمل مشين وذاك عمل صالح ,اما اذا كانت تربية الأم بمستوى لا يليق ببناء الأسرة ,فأنها ستنتج لنا قنابل موقوتة قابلة للانفجار بأي وقت أذا ما تهيئة الظروف المناسبة لها, والمعلم هو الذي يغرس فينا القيم الأخلاقية فهو القدوة الحسنة التي نتأثر به ونرسم ملامح شخصيتنا من خلاله ,فالدول التي تريد أن تبني لها حضارة ومستقبل زاهر تولي اهتماماً بالغاً بالمعلم حتى وصف بأنه رسول وصاحب رسالة وقضية ,فكم من الذين تخرجوا من مدارس للقتل وسفك الدماء لم يدرسوا في مناهجهم التسامح والتعامل الناس بروح الإنسانية ؟فهم صنفان كما وصفهم سيد الحكماء علي (ع) {أما أخ في الدين أو نظير لك في الخلق},مدارس تعلم طرقاً للقتل بتكفير الأخر واستباحة دمه وعرضه وماله بأسم الدين,ماذا يعني ان ينظر للمعلم بعين الانتقاص والازدراء؟ لأنه وصل لحالة من السقوط والانحدار الاخلاقي وتخلى عن مبادئ أساسية هي جوهر رقيه متمثلة ب :
1. الإخلاص : في طرح علمه ومعلوماته للطلبة وهو محور العمل أياً كان نوعه، والإخلاص في التعليم يعطي نتائج ايجابية يترتب عليها صلاح العمل، وصلاح العمل يعني الوصول إلى التنمية الصحيحة ,يحثهم على التنافس الشريف ,ولا شك أن مثل هذا التنافس يعطي صورة واضحة لبث روح التعاون بين الطلاب، وهذا يقود إلى أفضل النتائج .
2. الأمانة : وهي أمانة الكلمة، وأمانة الهدف والغاية، فالمعلم أمين على ما يقول والطالب أمين في التلقي، نعطيه خطاباً ينمي عنده حب الجميع واحترامهم دون النظر للونهم ودينهم يغرس فيهم حب الوطن والوقوف معه ضد اي معتدي وغازي يريد الإساءة له .
3. المعاملة الحسنة : معاملة يستشعر الطالب بها أن معلمه لا يفرق بينه وبين زميله لأنه من هذا المكون وذاك من غير مكون ,يقف على مسافة واحدة من الجميع ,لا يساومهم على أموال يعطوه له لقاء نجاحهم دون أن تعب ومثابرة منهم ,ونجد آخر يقرأ ويجتهد في دروسه وتكون درجته اقل من المستوى والسبب هو عدم وجود معاملة عادلة يعتمدها المعلم ,فهي خيانة الأمانة.
4. القدوة الحسنة : وهذه من أهم القيم في التعليم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا بد أن يكون المعلم مرآة لطلابه، وقبل ذلك يكون المعلم أهلاً للعملية التعليمية، بأن تكون هنالك معايير لقبول المعلم في عملية التعليم,تشمل حسن الخلق والتربية وعلميته التي يتحلى بها ,والاهم هو أن يكون انساناً في تربيته للطلبة لا مذهبياً ولا طائفياً في سلوكه.
وقد تطرق المستشرق للقادة سواء رجال دين أو قادة رأي عام في المجتمع ,الكثير من القادة والزعماء تعرضوا لحملات تشويه لتاريخهم المشرف وتزييف للحقائق بهدف تسقيطهم وللتأثير على مؤيدهم لخلق هوة بينهم بعملية تضليل وتشويه لما يقدموه من مفاخر ومنجزات ,ولعل ما ذكر عندما استشهد الإمام علي (ع) قالوا عنه أهل الشام :أو كان يصلي في المحراب , فالجماهير تحتاج لقائد تثق به يقودها لبر الأمان ,قائد لديه نكران للذات ,يتحمل أعباء وتحديات أمته ومجتمعه لا يتركهم يواجهون الأزمات ويلتحق بأول طائرة تقله لدولة أخرى ويترك شعبه يعيش حياة الفوضى ,يعيش أسوة بما يعيشوه لا عيش الفوقية والطبقية التي تشعر المحتاج والفقير بعوزه بالتذلل لغرض الحصول على قوته ومأكله ,كيف يمكن لزعيم ولقائد أن يترك رعيته تواجه مصيرها المحتوم وهو جالس على التل؟.