أم البنين عليها السلام لم تترك ثغرة في حياة الأسرة إلا وملأته بفاضل الأخلاق وخطت درساً فريداً لجميع النساء بل معهن الرجال في بناء الأسرة السعيدة المترابطة بالحب والاحترام ، لقد كان اختيار أم البنين عليها السلام لتكون زوجةً لأمير المؤمنين عليه السلام لم يكن منصباً على عامل الشجاعة فقط وإنما تركز على التربية والأخلاق والصفات النبيلة بالإضافة الى الشجاعة ، لأن عامل الشجاعة بمفرده لا يولد فارساً شجاعاً يدافع عن أفضل وأكمل رسالة سماوية وإنسانية سامية ، لأن عامل الشجاعة من العوامل الغضبية أو السبعية التي إن لم يسيطر عليها العقل سوف تؤدي بالإنسان الى المهالك ، لهذا السبب فأن عامل الشجاعة يحتاج للتربية السامية المغلفة بالصفات النبيلة عندها يرتقي الإنسان الى العالم الملكوتي النقي من جميع العوامل الغريزية الحيوانية ، ومن اليوم الأول الذي دخلت به ام البنين عليها السلام بيت أمير المؤمنين عليه السلام نقشت على صفحات التاريخ أجمل الدروس والعبر للإنسانية قاطبة وفي مقدمتها النساء ، بعد أول نداء باسمها من قبل أمير المؤمنين عليه السلام سارعت مبادرة يا سيدي ولم تقل يا زوجي أو يا علي ؟؟؟ أرجوا أن لا تناديني باسمي (فاطمة) بل تناديني بأم البنين ( وهذه كنية قد كناها أبيها عند الولادة تيمناً بكنية جدتها ليلى أم البنين) حتى لا يتأثر الحسن والحسين وزينب عليهم السلام أبناء السيدة فاطمة عليها السلام وهم أبناء الزوجة السابقة لأمير المؤمنين عليه السلام (باللهجة العامية أبناء ضرتها) علماً أن الحسن والحسين وزينب عليهم السلام كانوا أكبر منها سناً ولكنها قامت بشطب أسمها كلياً من الوجود من أجل أن لا تتأثر مشاعر أبناء السيدة فاطمة عليهم السلام علماً أنهم أكبر من أن يتأثروا بهذا ولكن هذا أول الدروس التي أعطتها السيدة أم البنين عليها السلام للنساء عندما يدخلوا البيوت الزوجية من أجل نشر السعادة في أجواء البيت بالإضافة الى الولاء الكامل (وهو السبب المقدم) للسيدة فاطمة عليها السلام وأبناءها سلام الله عليهم ، كانت السيدة أم البنين عليها السلام تتعامل مع الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام بأنهما إمامان مفترضا الطاعة وكانت تغذي أبنائها الأربعة على هذا الاعتقاد فلم ينادوا إخوانهم سلام الله عليهم إلا بمصطلح سيدي على هذا تربوا وعلى هذا نشئوا وكبروا واستشهدوا كأن مصطلح الأخوة قد حذف من ألسنتهم بالإضافة الى الطاعة الكاملة ، فكانت حريصة على تهيئة جميع الأجواء الأسرية السعيدة التي تحيط ببيت النبوة والإمامة ولم تفكر ولو للحظة بنفسها ومكانتها في البيت بل خدمتها وعطاءها لأئمتها كان هذا هو وجودها الحقيقي ، فارتقت في عالم الأخلاق وذهبت بعيداً في معرفة الإمامة حق معرفتها لهذا كانت تقدم الحسن والحسين عليهما السلام على أبناءها لأن طاعتهم تقدم على الأمومة او علاقة الأم بأبنائها ، من هذه الأجواء تخرج الأبناء الأربعة وفي مقدمتهم سيدنا العباس عليهم السلام الذي لم يذكر لنا التاريخ ولو لمرة واحدة أنه ناقش الإمام الحسن او الإمام الحسين بأمر ما ولم يذكر لنا التاريخ أنه ناداهم بمصطلح الأخوة بل دائماً نداءه لهم بالسادة (وهذا من أجمل بل من أرقى أمثلة التواضع ونكران الذات لأن كلمة الأخوة فيها نوعاً ما من المساواة حتى هذا الجزء القليل من المساواة يرفضه سيدنا العباس عليه السلام بل هو العبد المطيع للحسن والحسين عليهما السلام) ،لهذا نلاحظ سيدنا العباس عليه السلام قدم كل ما يملك فداءاً لإمامه الحسين عليه السلام فقدم أخوته للتضحية والقتال ومن بعدها قدم نفسه من أجل اطفال أخيه الحسين عليه السلام بعد أن قدم عيناه ويداه ورأسه ومن ثم روحه الطاهرة الزكية ، وأكدت السيدة أم البنين عليها السلام على هذه التربية والأخلاق والمعرفة بالإمامة عندما وصل الناعي بمقتل الحسين عليه السلام مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله) فلم تسأل عن أبناءها بل سألت عن إمامها وسيدها أبا عبد الله الحسين عليه السلام ، لأن معرفتها بالإمامة والولاية تدفعها الى تقديم السؤال على ولي الأمر وهو الإمام المفترض الطاعة على علاقة الأم بأبنائها ، وحتى بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأبناءها الأربعة سلام الله عليهم بقت أم البنين عليها السلام الثائرة والرافضة لحكم بني امية فكانت تذهب الى البقيع وتعمل قبر تحيطه أربع قبور وتبكي وتنوح لتذكر الناس بظلم بني أمية وجورهم بقتلهم لسيد الشهداء وأبن بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) من أجل إيقاظ الأمة ودفعها للثورة والرجوع الى الإسلام الحق وهو طريق محمد وال محمد صلوات الله عليهم أجمعين ، ولكن إجرام بني أمية لم يترك هذه السيدة الثائرة تحرك بمشاعر هذه الأمة النائمة من أجل إيقاظها فقامت بدس السم لها وقتلها في 13 جمادي الآخر عام 64 هجرية فذهبت الى ربها شهيدة بطلة مضحية بكل ما تملك من أجل الرسالة المحمدية السمحاء فسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا .