23 ديسمبر، 2024 12:45 ص

البشرية مرّت بمراحل تنوّعت فيها الحروب من القوة البشرية إلى النارية فالجوية ومن ثم النفسية , بعد أن تطورت النظريات وإكتشفنا خفايا النفوس , وما يتحكم بالأدمغة من آليات ذات تأثيرات سلوكية واضحة وفادحة.
وتجدنا اليوم , خصوصا بعد أن تطورت وسائل التواصل والإتصال , أمام حروب مروّعة ذات نتائج تدميرية كبيرة وبخسائر قليلة , وخلاصتها التركيز على الإعلام الفاقد للضمير , وتعزيز الأكاذيب وتطويرها لتطمس الحقائق وتدوسها , وبموجبها يتم إستهداف أي نشاط , والوصول إلى الهدف بسهولة غير مسبوقة , وذلك بتحويل البشر إلى دمى مفرَّغة من الإرادة والضمير والرؤية التي إنطلقت منها.
ولهذا يتم القضاء على أي نشاط جماهيري مهما كان واسعا , وتدمير أي تظاهرة وتحجيمها , وذلك بتمزيق ما فيها من الطاقات والقدرات وتشتيتها , وتحويلها إلى حالات متصارعة مع بعضها , حتى يعمّ اليأس ويسود الإبلاس , وتتساقط رموزها في قيعان الخيبات والندم الشديد.
وهذه الحرب الشرسة المدسوسة التي يغفلها المُستهدَف هي السائدة في الدنيا , ولها مراكزها وهيئاتها التي تخطط لها , وتتفاعل عبر وسائل الإعلام لبث إرادتها التدميرية , القادرة على تحويل الهدف إلى قوة قاضية على ذاته وموضوعه , فالهدف يتحول إلى آلية لتوليد القدرات المعادية له , فيتفتت ويتصارع ما فيه بإندفاعية محمومة تفضي إلى ويلات وتداعيات فتاكة.
ومع هذا المستوى الغير مسبوق من الحروب المعاصرة , بدأت حرب جديدة ذات تأثيرات كبيرة تلقي بظلالها على الواقع , وتؤثر فيه بقوة وتتسبب بخسائر هائلة , وهي الحروب الإليكترونية , التي يمكن إدارتها عن بعد وبسرية تامة وتستّر وإختفاء , وفقا لبرمجات ذات قدرات تعطيلية لمرتكزات الحياة في أي بقعة أرضية مهما بعدت أو قربت.
فالحروب ما عادت تقليدية وكما مضت عليها البشرية لقرون متواصلة , إنها حروب خفية وقوية تمحق الهدف بلا خسائر من الطرف الفاعل أو المُهاجم , وتضع المُستهدَف في زاوية دفاعية قد تتسبب بإهلاكه وإستنزاف طاقاته.
ووفقا لهذه المفاهيم العدوانية الفاعلة بين الأمم والشعوب , فأن المجتمعات المتمسكة بديناميكيات الحروب المنقرضة ستكون من أسهل الأهداف , لأن توظيف السلوك العدواني بآليات قديمة , يترتب عليه خسائر أفظع وإنهيارات متواصلة ومتراكمة في معارك الحرب , التي تقودها قدرات خفية وتترجمها كينونات همجية تتبختر في سوح مصيرها المشؤوم!!
فهل من يقظة ونهضة وإبصار يا أمة إقرأ؟!!