يُعَرَّف الاستلاب بأنّه حال معرفيّ يعمل على تحقير الذات الإنسانيـّـة وكلّ ما يرتبط بها من مدارك ومعارف، ويخضع إلى التّـمجيد القهريّ لبعض الفعاليّات الإنسانيـّـة أو بعض الرّموز التي يصنعها الوعي الجمعيّ للنّاس، والانصياع إلى ثقافتها وآرائها والسّعي الحثيث للانصهار فيها، مهما كانت الخسائر المترتّبة على ذلك. لذا فإن ثَمَّة تقارب بين الاستلاب وبين الاضطراب وفقدان التّـوجُّه النّظريّ الأصلح لموضوعة التّـقدُّم، ومن زاوية أخرى هو مؤشِّر من مؤشِّرات فقدان القدرة الذّاتيـّـة على التّـنامي والإبداع.
ونستطيع القول أيضاً: إنّ الاستلاب يقوم بعمليّات تقويضيـّـة لمنظومة الوعي النّـاضج، وهو- بلاشك – من أهمّ الأسباب التي كانت وراء إفشال الإصلاحات التي تستهدف التّـحرُّر من قيود الجمود والخضوع. فالأمّة المُستَلَبة هي أبعد ما تكون عن الإبداع والتّـقدُّم حتى مع امتلاكها لعناصر التّـقدُّم ومقوِّماته وإحراز كافّة اشتراطاته الموضوعيـّـة.
إنّ عمليـّـة القضاء على كلّ أشكال الرّكود والسّلبيـّـة والفكاك من شباك التّـقليد الأعمى، لا تتوقّف على امتهان الإنسان لذاته وتحقيرها، بل تكمن في امتلاك الآليّات السّليمة لفهم مدارك الذّات واحتوائها والسّيطرة على النّظم وطرائق التّـفكير التي تعتمدها، وبهذا فقط يمكن أن يصنع الفرد لنفسه دوافع حقيقيـّـة للخلاص من الانصياع الأعمى والرّكود المعرفيّ والإتباع غير المقبول.
ولو قمنا بعمليـّـة استقرائيـّـة لمجمل التاريخ البشريّ، لوجدنا أنّ جميع المجتمعات البشريـّـة التي ارتضت أن تجلدها سياط الاستلاب والخضوع، لم تتمكّن من الاستمرار في تقرير مصيرها ومستقبلها وفي مختلف مجالات الحياة، بل زادت من تخلُّفها وركودها عن مثيلاتها، التي تجاوزتها كثيراً.
إنّ مشكلتنا لا تكمن دائماً في قوّة الآخر الذي نختلف معه، بل هذه نتيجة طبيعيـّـة لما فينا من عجز وانهزاميـّـة وجمود تجاه ما يحيطنا، لأنّ الاستلاب ليس بالضّرورة أن يكون مع الآخر المختلف معنا دينيـّـاً ومذهبيـّـاً وسياسيـّـاً وجغرافيـّـاً، بل يمكن أن يكون مع من يشاركنا على المستوى المفاهيميّ الكثير من القواسم والمشتركات.
والمتابع الحصيف للرّاهن الذي تعيشه مختلف المجتمعات الإسلاميـّـة، يرى أنّـها تعاني من حالة إستلابيـّـة مزرية، جعلتها تفتقد الكثير من عناصر قوّتها وزهوها وتقدُّمها وحقّها في صناعة الوعي السّديد، مما يُحتّم عليها النّـهوض والخروج من هذا المأزق المُحرج، وذلك عن طريق استيعاب مختلف التّـجارب الإنسانيـّـة النّـاجحة والتّـفاعل معها، وأيضاً من خلال تحرير العقل الجمعيّ من قيود الصّنميـّـة والإتباع الأعمى للشّخوص وبعض التّـقاليد والعادات.