23 ديسمبر، 2024 9:26 ص

الأمة منذ إبتداء إنشاء الدولة فيها , تغافلت عن وضع دستور للحكم فيها , ومضت على أن الكرسي الحاكم هو الدستور , فشرعها الكرسي الذي يمثله الجالس فيه أيا كان معدنه , فالمهم سطوته وجبروته وإستبداده وطغيانه , ولهذا فحكام الأمة من أولهم لآخرهم طغاة مستبدون , وما مسطور من تأريخ يمثلهم ولا علاقة له بالحياة العامة للناس.
فقولهم القول الفصل , وطاعتهم أمر وواجب , وعصيانهم كقر وإلحاد وزندقة!!
هذا هو منهج الحكم في بلاد العرب أوطاني منذ فجر دولة المدينة وحتى اليوم , ولا جديد ولا تطور ولا تقدم فكري وإدراكي , ورغبة حقيقية لكتابة دستور تتوارثه الأجيال وتمضي سكة الحكم عليه.
فما نوجهه لنقد أي كرسي في عالمنا العربي , لا يختلف عن غيره من النقد الذي يمكن أن نطلقه ضد أي حاكم آخر سبقه على مر العصور , فالأساليب ذات ثوابت مروعة , وشخصية الحاكم هي التي ترسم خارطة الحياة أثناء حكمه ولهذا قالت العرب : ” إذا تغير السلطان تغير الزمان” , ولن تجد في تأريخ العرب ما يشير إلى دستور , فكلما ذكرت هذه الكلمة قالوا : “دستورنا القرآن” , ولكلٍّ منهم قرآنه وفقا لتأويلاته وتفسيراته , ومشاربه ومساربه , وما يراه هو المعني والمقصود بهذه الآية أو بتلك , فتميَّع دستورهم الذي يدعونه , وما إستطاعوا كتابة دستور قويم.
ومع توافد العصور تقدَّست أشخاص الكراسي وتمتعت بما يخرجها من كونها بشر , وصارت تمثل الله في الأرض , وتفوقت على الأنبياء لأنها ظل الله في الأرض , وتنفذ أحكامه بعباده , وما فعل رسول أو نبي مثلما فعل الذين توطنوا كراسي التسلط على العباد.
ولهذا فالحكم عبارة عن سفك دماء وقتل للناس , وتعذيب وتشريد وتدمير وتنكيل , فهذا معنى الحكم , الذي عليه أن يتصف بالعدوانية والإطلاقية المتحررة من أي رادع.
ولا يوجد نظام حكم في بلداننا لا يتمتع بعدوانية , وإندفاعية مروعة للإنقضاض على أبناء البلاد وسحقهم ببعضهم , بحروب داخلية أو عربية عربية , أو بأجهزة الحكم الأمنية للقبض على وجودهم , ومصادرة مصيرهم.
وبغياب الدستور الأمين , كلٌّ على هواه يحكم!!
فكم من القرون سنحتاج لكي نستعيد رشدنا , ونرى بعقولنا؟!!