ما أجمل هذة المسافة . لقصةِ طفلٍ عاشَ تسعِ سنوات محمولاً ما بين بطنِ أمٍ و ظهرِ أبّ .
ففي بطن أمه كان متشوقاً لرؤية الدنيا وعلى ظهرِ أبوه كان متلهفاً لرؤية الأخرة فكسبَ الأثنان .
بمقادير الأختصار نقتضبُ القصة لنمسكها من نهايتها ونترك البداية لنبدأ من عيونِ طفلٍ ذو تسع سنوات يعاني من مرضٍ مزمن هذة العيون تعانق وجه الأبِ المتعوبِ جداً من شضف العيش وارهاصات الحياة .
حملَ الابوُ المتعوب ابنهُ المريض باحثاً عن حباتِ دواء تؤخرة عن رحيل الموت .
ليبتعدوا عن المتحاربين للحصول على الموتِ وتربحِ الشهادة في تلك المدينة الغافية بين أحضانِ نهر الفرات ( البغدادي ) .
حتى وطئت اقدام الابِ والأبن في صحراءٌ قاحلة تبعد عن المدينة بضع كيلو مترات , هناك عسعس الليل وتعسعست معه روح الطفل , فأغمض الطفل عيناه وفاضت روحة الطاهرة الى السماء بعد ان تعذر للأبِ ان يجد حبةً واحدةً ليبقية يوما واحداً أخر .
رحل الطفل وبقى الأبُ حائراً : هل يدفنَ ابنة في هذة الصحراء ويرحل ؟ .
أم يحملة الى مسافة أربعين كيلوا مترا كي يوارية الثرى في مقابر المدينة الاخرى ؟ .
قلبُ الأب أشفق على جسدِ ولده ولم يستطع تركه غريباً بين أركانِ هذة الصحراء القاحلة فقرر وضعة في ( كونيه ) وحمله على ظهرهِ المعووج وترجل به وسار صوب المدينة الاخرى ( هيت ) على بعدِ اربعين كيلوا مترا .
وضلَ الأُبُ يمشي و يحدو وحادي الضعن في ( الكونية ) نائمُ .
على طولِ تلك الاربعين لم تصمت عيون الوالدِ من البكاء والنحيب .
وقدماه الحافيتان تلوك الدم واللحم وتطحنة على الحجر وهو يحلم بالوصول قبل أن تتعفن جثةَ ابنه الراحل .
وبعد ساعاتٍ طويلة من السير قاطعاً سهولاً ووديان , هضابَ وتلال وصل الى مدينة ( هيت ) حاملاً على ظهرة جسد أبنة .
وبعد ساعة من وصولة دفنه في إحدى مقابر المدينة ورتاح قلبة بعد أن أراح جسد أبنة المتعب.
هذة هي قصة من قصص معاناة أهل البغدادي أرويها لكم واشهد الله عليها يوم القيامة لتكون حجة على كل سافل وقاتل وسارق ومتلاعب .
والله على ما اقولة شهيد .
ان الحياة هي.. فن التدريب على الموت.
فعجباً لأولائك الذين يدعون الناس للشهادة وهم يتمسكون بجنون القيادة.
سامحنا ايها الطفلُ .
سامحنا ايها الابُ المتعوب .
سامحينا ايتها الأمُ الفاقدة .