الأمن الوطني مقولة ليست عسكرية محضة وانها تقوم على أسس سياسية لتعمل بفعالية، ولذا لايمكن حفظ أمن العراق دون انخراط كافة القوى السياسية والاجتماعية / الوطنية المؤمنة بالعملية السياسية وأهدافها الرئيسية باقامة دولة المؤسسات المدنية واشاعة الديمقراطية الحقة،الدولة الملتزمة بروح ابداعية باحكام الدستور والقوانين وبناء القضاء و السلطة التشريعية المستقلة، السلطة التي تتحلى بالنزاهة والاخلاص والوطنية الحقة. ان الامن الوطني في العراق لا يمكن ان يقوم الا على وجود آلية ادارة فعالة وتنسيق الانشطة السياسية والمجتمع المدني وكذلك عمل مؤسسات الدولة وحمايتها.ان الأمن الوطني بالاضافة الى امن السيادة الوطنية وحدود البلد واستقلاله وسلامة امن المواطن وحياته، يشمل ايضا الامن الاقتصادي والبيئي والمعلوماتي…. فلا يمكن بناء اجهزة القوة الحديثة من غير اقتصاد حديث.
ان أمن المجتمع العراقي يتطلب وجود مؤسسات إجتماعية ومعايير ووعي إجتماعي متطور، يتيح تجسيد حقوق وحريات كافة مكونات المجتمع والوقوف بوجه كافة الممارسات التي تؤدي الى انقسام وشرذمة المجتمع، بما في ذلك من جهة الحكومة.واليوم موضوعيا ليس هناك غير الحكومة من يتحمل إستدامة الإنفلات الأمني في العراق، ولن تصمد تبريراتها الهشة بعجزها في مواجهة “داعش” وغيرها من قوى الارهاب والظلام، بالعدوان على العراق وشعبه وتهديد سيادته ووحدة اراضيه وسلامة مواطنيه. ان قوى الأمن والجيش ليست هي وحدها المسؤولة عن ردع القوى الظلامية الزاحفة على بلدنا، فتجارب الشعوب برهنت على ان قضية صيانة أمن الدولة ليس باستخدام العسكر ورجال حفظ الامن فقط بل وفي إتاحة المجال لمشاركة المجتمع بقواه السياسية والمدنية وفعالياته الفكرية، في العملية السياسية. من دون مشاركة الجماهير الفعلي وممثليها الحقيقيين، في السلطة لا يمكن بناء دولة قوية ومستقرة.فحينما نفصل قضية الأمن الوطني عن القضايا الحيوية الاخرى، ونعتمد على وسيلة القوة حصرا لمواجهة التحديات والاخطارة التي تواجه البلد، فان الانهيار لن يطول الأمن بل واركان الدولة الاخرى، البرلمان والقضاء ومكونات المجتمع المدني وتنهار الإستراتيجيات الاقتصادية وغيرها بعيدة المدى اوانعاش المجال الثقافي …ان مواجهة “داعش” وما حولها من حركات ومنظمات إرهابية تستهدف العراق، لا يمكن ان ينجح من دون إعادة النظر في سياسة الحكومة والأسس التي تقوم عليها العملية السياسية برمتها وخطط مواجهة التحديات على الامن.
ان الدولة، اية دولة هي نسق يتميز بمواصفات الكائن الحي الذي تتفاعل مكوناته وتؤدي وظائفها بتكامل، وان حدوث عطب في جزء سيؤدي الى الاخلال في عمل المكونات الاخرى. وينطبق هذا التصور على الاقتصاد كما ينطبق على الأمن الوطني. لذلك لايمكن تأمين الأمن الوطني وترسيخه من دون خلق الأجواء الملائمة لنشاط وحرية عمل المكونات السياسية والاجتماعية الوطنية للمساهمة في العملية السياسية وتطويرها، اي اشراك المجتمع باسره في العملية وعدم تغيبه وتجاهله او تهميشه.
لقد عجزت الحكومات العراقية المتعابقة وحتى المالكي اي منذ انهيار الديكتاتورية عن مواجهة الارهاب وترسيخ الأمن والايفاء بواحدة من اهم التزاماتها: الحفاظ على حياة الانسان. ان كافة الحكومات تجاهلت المجتمع ومكوناته السياسية والمدنية وانفردت بالسلطة، وعاشت في عزله عن الجماهير الإسلوب الذي الى قتلها ورُفضت تاريخيا. ومارست كافة الحكومات، وتجلى ذلك اكثر في حكومة السيد نوري المالكي الحالية، عملية اقصاء لكافة القوى حتى الحليفة او التي يمكن ان تجد معها قواسم ومواقف مشتركة حول العديد من القضايا وكسبها كحليف لفترة ومرحلة محددة، مما جعلها عاجزة عن مواجهة التحديات الامنية في كافة مرافق الدولة. ووضعت حكومة المالكي نفسها في عزلة عن الجماهير لأنها تصورت نفسها انها المفوض الوحيد لتلك الجماهير، ولايحق لأي طرف آخر في ذلك حتى الجماهير نفسها، التدخل في اداءها. فانهار هذا الاداء. وتصورت ان القوة العسكرية والحصول على احدث انواع الأسلحة كفيلة بالقضاء على مصادر الخطر على أمن العراق دولة وشعبا، ولكن التجارب التاريخية للدول الاخرى، برهنت على إستحالة حل قضية الأمن بالوسائل العسكرية حصرا وتجنب تشغيل الوسائل السياسية وتوفير غطاء سياسي واسع للحكومة التي تتولى ادارة شئون البلاد.
الوحدة الوطنية اولوية فاعلة في عملية التصدي للأخطار التي تجابهة الامن الوطني العراقي. ان سياسية تمزيق الصف الوطني الذي بلغ ذروته في ممارسات حكومة المالكي، أضعف جبهة التصدي لأخطار الأمن الوطني بكل اشكالها. فقد عمل رئيس الوزراء على حصر السلطات الواسعة بيده متعكزا بذلك على بعض مواد الدستور، دون ان يدرك ان الدستور ليس ايقونة جامدة ومقولة سماوية وان تطبقه محاط بظروف تاريخية وهناك امكانية واسعة للتأويل والقراءة بما تفرضه تلك الظروف التاريخية والاجتماعية المتجددة، وان اشراك كافة قوى المجتمع السياسية والاجتماعية والشخصيات صاحبة الادوار المشهودة في العملية السياسية ووفق منطق وارادة سياسية واعية، هو الطريق الوحيد لرص صفوف قوى المجتمع للتغلب على الاخطار وارساء اركان الدولة العراقية الحديثة. لقد تناست النخبة السياسية التي تمسك مقود السلطة ان العراق، وليس وحده في المنطقة، تجاوز مرحلة الاستفراد بالسلطة وعزل القوى الاخرى عن المشاركة في صنع القرار السياسي والامني، فالديمقراطية لا تلغي حقوق الاقلية او تجاهل مواقفها وان الأمن مقولة سياسية وان اعتماد القوة العسكرية هو احد خيارات صيانته وثمة مكونات سياسية فعالة لحفظه.