18 ديسمبر، 2024 11:57 م

أمن الخليج وإيران وحكومة العراق القادمة

أمن الخليج وإيران وحكومة العراق القادمة

2-1
تحولت الدولة العراقية والشعب العراقي خلال العقود المنصرمة الى كبش فداء لبقاء دول الخليج الستة مؤمٌنة من اخطار ايرانية محتملة . فمنذ مجيء حكومة ( الثورة ) الايرانية الى السلطة في نهاية عقد السبعينات وتبني الفكر الاسلامي كايديولوجية للنظام الجديد لم يبعث ذلك الى اي اطمئنان للدول الغنية الست المطلة على الخليج . على العكس من ذلك فان حكومة الثورة لم تتخلى عن الجزر الاماراتية الثلاث التي احتلها شاه ايران ومن ثم لن تخف تدخلاتها في البحرين والعراق على حد سواء وهكذا اسست حكومة ايران الثورية اسفين العداوة بينها وبين جيرانها العرب بما فيهم العراق.

دفعت مراحل ( التأسيس الثوري الاسلامي) في ايران موجات لاحقة من المأساة لشعوب المنطقة ابتداءاً من نية تصدير ثورتها الى العراق ودول اخرى وعدم التزامها بسياقات العلاقات الدولية مع الغرب والولايات المتحدة الامريكية دشنتها بالهجوم على السفارة الامريكية في طهران واعتقال طاقمها كرهائن . هذه الهستيرية الثورية انعكست على اعلام ايراني الطائش ضد العديد من حكومات المنطقة ادى الى تخوف تلك الدول من المارد الايراني المجنون المرتدي الى العباءة الاسلامية . وأول الضحايا كان بلاشك الشعب العراقي .

الحرب العراقية الايرانية

لم يكن الشعب العراقي على وفاق مع حكومة صدام حسين ، المجنون الاخر على الحانب المقابل لحكومة ايران الثورية وعديمة الخبرة . ظهر الرئيس العراقي الطموح بعد ان تخلص من رئيس العراق الاسبق احمد حسن البكر واعلن للشعب ان رئيسكم تنحى لاسباب صحية ، بعد فترة وجيزة مات البكر وصفيت اسرته لاسباب غامضة. على شاشة التلفزيون العراقي كان صدام حسين يعلن عن نفسه القائد الطموح الملهم القادم بلا منافس لا في العراق ولا في الخليج او حتى ايران التي تعيش الفوضى الثورية انذاك وتوجه اذاعاتها الشتائم لحكومات العراق والخليج . قرأت دول الخليج الخارطة وقررت الوقوف مع (الناصر) صدام حسين ليزجوه بوجه الايرانيين . وهكذا استمد الرئيس المجنون المتغطرس قوته من هذا الدعم العربي الذي التحق بخارطته ملك الاردن ورئيس مصر واليمن وقالوا له إنك اصبحت الان (حامي البوابة الشرقية للوطن العربي) واكل الطُعم بعقلية البدوي المتخلف ، وعقلية الخليفة العربي الذي تنشرح اساريره لقصائد المداحين . قررت الدبابات العراقية التوغل داخل الاراضي الايرانية بعد مناوشات بالقصف المدفعي بين الطرفين تحول خلال ايام الى غزو عسكري لمحافظة خوستان الجنوبية الايرانية واحتلال مدنها الرئيسية الغنية بالنفط كالمحمرة وعبادان . جر هذا الغزو الشعب العراقي الى حرب دموية استمرت منذ ايلول عام 1980 الى اب عام 1988 وكلفت حسب تقديرات مصادر محايدة مايقارب مليون قتيل و400 مليار دولار . كان الشعبين العراقي والايراني الضحية الاولى لتلك الحرب البائسة التي اعتبرت اطول صراع عسكري في القرن العشرين.

لماذا طالت الحرب

كانت اسباب الحرب تافهة جداً من السهل على الطرفين المتصارعين ايجاد اتفاقية لتقسيم السيادة على مياه شط العرب الذي يفصل بين الدولتين – كما كان يعلن كسبب مباشر للحرب- مع العلم ان هناك اتفاقية مبرمة بين العراق وايران تسمى اتفاقية الجزائر اُبرمت عام 1975 بين العراق وشاه ايران بوساطة الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين . وعلى الرغم الغاء صدام حسين لهذه الاتفاقية الا انه عاد اليها بعد نهاية الحرب وكأن الكوارث التي مر بها الشعب العراقي لا تساوي شي . اذن لماذا طولت الحرب ؟؟ بصراحة كان غباء صدام حسين وعنجهيته وهستيرية القيادة الايرانية التي سمتها الحرب المقدسة يقف وراء ذلك كله اموال الخليج ودعمه اللوجستي واللامتناهي لديمومة الحرب للحفاظ على أمن الخليج . لانريد ان ننبش القبور وفتح ملفات لكن أمن الخليج مازال ملفاً مفتوحاً … لحماية الخليج ومصالح العالم به كمصدر مهم للطاقة يستدعي اشغال العراق

وايران بحرب يجب ان لا تنتهي حتى بعد الثمان سنوات التي اكلت شباب العراق وايران . كانت الحرب سوق هائلة لصفقات السلاح التي تُحرق على الجبهة بالاضافة الى اسعار النفط المتدنية التي يحتاجها البلدان المتقاتلان لتغطية نفقات الحرب .

أستراتيجية متخلفة ومأساة أخرى للعراقيين

اذا كانت الحرب العراقية الايرانية استراتيجية للحفاظ على أمن الخليج فسرعان ماكشف الزمن غباء تلك الأستراتيجية ، فبعد فترة وجيزة من النهاية القسرية للحرب خرج صدام حسين بديون هائلة ومستحقات وادانة من الأمم المتحدة بانه السبب في اشعال الحرب وعليه دفع تعويضات لايران استشاط غضباً . هنا حاولت الكويت المطالبة بديونها شعر صدام بحجم الطُعم الذي اكله هو وشعبه والحرب التي خاضها بسبب الخليجيين والدفاع عن البوابة الشرقية ماهي الا خازوق عربي بأمتياز فثارت ثائرته ودخل الكويت بدون مراعاة لأية قواعد دولية . مرةً اُخرى تحكمت البداوة بعقلية صدام حسين وأنسته رعونته بأن الخليج مصدر مهم للطاقة يمكن ان تشعل النار حوله بعيداً عن ابار النفط لكن الخط الأحمر ان تشعل ابار النفط ذاتها !! هبت 33 دولة للدفاع عن الكويت وسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة وليست قبيلة مجاورة لقبيلة صدام حسين ، مع هذا الغباء استفاد الغرب من التأييد العربي والخليجي لسحق الة صدام العسكرية حتى وان قرر الأنسحاب من الكويت بعد سبعة أشهر من المماطلة . هنا أكلت دول الخليج الطُعم الغربي أيضا بالتخلص من الجيش العراقي وقتل جنوده وحرق دباباته وهروب ماتبقى منه على قيد الحياة الى السعودية . يضاف الى ذلك ثورة الشيعة والأكراد في الداخل ، تبين الهدف الغربي في اضعاف العراق كدولة وكقوة عسكرية في المنطقة كانت تشكل حجر التوازن الأقليمي العربي . المستفيد الأول من هذا التوازن هي دول الخليج وحماية أمنها . اكتشف الخليجيون الكارثة الأمنية في بروز المارد الأيراني كقوة أقليمية بدون منافس . بعد 13 سنة من الحصار الأقتصادي على العراق الذي مزق الشعب العراقي وابقى صدام حسين خانعاً معزولاً لكنه ظل متحكماً برقاب العراقيين لأخر لحظة من نظامه أزيل صدام حسين من الخارطة السياسية وفي هذه المرة ازيل معه الجيش العراقي جذرياً مع مؤسسات الدولة العراقية .

فقدان التوازن

فرح العراقيون والخليجيون بنسب معينة في ازالة صدام حسين من السلطة الأمر الذي كان من الممكن تنفيذه بعد طرد الجيش العراقي من الكويت في بداية عقد التسعينات لكن الجيش الامريكي توقف عن الاستمرار لان المهمة كانت ببساطة اخراج الجيش العراقي من الكويت ومن ثم قتله وحرق الياته بالأضافة الى تدمير البنى التحتية للدولة العراقية مع التشديد على بقاء صدام حسين معافى على رأس الحكم ، لان المهمة كانت ليس تغيير نظام بل تسقيط دولة وازالتها من الخارطة . هذه المهمة تحتاج الى اضافة وقت اخر لتحطيم معنويات العراقيين ايضاً واغراق مدنهم بالفوضى . بعد ثلاثة عشر عاماً اُنجزت المهمة واُزيل صدام حسين من على رأس دولة منهارة وشعب محطم كان يبيع اثاث منزله ليأكل ، لا يصلح الى بناء وادارة مؤسسات دولة جديدة… ألمارد الأيراني مستمر بالنمو والتحكم الأقليمي وتصدير الثورة وبناء جسور العلاقات مع الغرب . على الجانب الاخر يتصاعد القلق على أمن الخليج . الدولة الوحيدة التي كانت من الممكن ان تكون مصد للاطماع الأيرانية في الخليج ازيلت !! والأخطر من ذلك ساد فيها نظام حكم جديد يوالي المارد الأيراني وبحكم الصراع الطائفي الذي يتحكم في المنطقة ستتواجد ايران على حدود السعودية والكويت وهنا يجب البحث عن أستراتيجية جديدة ، هل سنجد صدام حسين اخر يفتح لنا حرب مع ايرن ؟؟ لا أعتقد ذلك ممكن وسط الخارطة السياسية الجديدة في العراق ولا يبدو الشعب العراقي مستعد لتقبل دكتاتور اخر . هل ندفع بمشروع التقسيم ؟؟ حتى ولو حدث ذلك ايران ستكون صاحبة السطوة على الولايات العراقية المنفرطة الثلاث الجنوبية والغربية والشمالية . هل سندفع باستمرار الفوضى والارهاب في العراق واثارة النعرات الطائفية لتحويل العراق الى سوريا اخرى؟؟ لا اعتقد ذلك سيحمي أمن الخليج . العراق اقرب من سوريا الى الخليج لذا فالخليج العامر وهو انجاز عربي حقاً لا يستحق حرقه كما احترقت دول عربية بأكملها حين المجازفة بدعم المنظمات الأرهابية في العراق القريب وشعبه المتواصل عرقياً مع شعب الخليج .

هذه الاثارات سنفصلها بمقال اخر ، وبينما نقرأ اراء المعلقين سنجد بعض المقترحات نقدمها الى الحكومة العراقية القادمة ونحثها على لعب دور التوازن بين الخليج وايران ، فلا أحد يستنكر على العراق بناء علاقات اقتصادية وسياسية مع ايران

كدولة جارة ولاعب سياسي كبير في الشرق الأوسط ، كذلك من حق الخليجيين المحافظة على أمن دولهم ، لأنها دول غنية وحساسة لاية أزمات أو أطماع أو تدخلات في شؤونها. في ايران والخليج والعراق يجب أن نفكر بطريقة واقعية نجنب الشعب العراقي مأساة جديدة تحل به من أجل حماية أمن الخليج وشهية أيران التوسعية .

*[email protected]