الخطأ الاستراتيجي الطغموي:
سيراً على هدى المحور الأول وبعد فشل الطغمويين(*) في الحصول على نتائج برلمانية لصالحهم في انتخابات 30/4/2014، عمد الطغمويون الى اسلوب التظاهر والاعتصام في ساحات عامة في كل من الرمادي والفلوجة والموصل والحويجة بقصد الإمعان في إرباك الأوضاع السياسية في البلد وتوفير الغطاء لتمرير عناصر داعش من سوريا الى تلك المناطق وتشكيل وتنظيم الخلايا النائمة. سيطرت داعش على الفلوجة باسم ثوار العشائر، دون إنتظار، لتصبح الفلوجة قاعدة الإمداد لداعش عند إحتلالها العراق حسب المخطط. وقد لعب الأمريكيون دوراً في ثني الحكومة العراقية من تطهير الفلوجة في حينه بدعوى أن أهل المنطقة يجب أن يقوموا بالمهمة وكان يعني هذا عملياً تشديد ورفع وتيرة الحملة الاعلامية ضد حكومة نوري المالكي والتذرع بذلك المنطق في عدم احترام عقد بيع الطائرات الى العراق التي لم تصل على أي حال وشكل ذلك فضيحة لأمريكا أمام الجماهير العراقية لأنه نزع مصداقية أمريكا من أذهان ونفوس الغالبية العظمى من أنصار الديمقراطية في العراق.
هنا حصل الخطأ الاستراتيجي الفادح من جانب الطغمويين. لقد جازفوا برمي جماهير مناطقهم البريئة الطيبة في دوامة النزوح المهلك من أماكن سكناهم على أمل ألا يطول ذلك. قدروا أنه بمجرد ارباك الاوضاع واشغال الحكومة للتمهيد لسيطرة داعش على العراق والانشغال بأعمال القتل والسبي في وسط وجنوب العراق، عندئذ تهدأ مناطقهم فيعود النازحون الى ديارهم “منتصرين” قبل أن يبلغوا حالة الذل والعوز واليأس والانفجار.
لم يحصل الإنهيار الشامل المأمول وفشلت داعش وأشغلت نفسها في الشمال في أعمال التطهير العرقي والديني والطائفي ضد المسيحيين والأزيديين والشبك والتركمان والكرد والسنة المعارضين لداعش فازداد عدد النازحين وطال أمد النزوح وصارت العودة لبيوتهم مرتبطة بإخراج داعش من المدن المحتلة التي “بشرهم” السيد أوباما (ليزيد من أحزانهم) بأن تحريرها قد يستغرق بين ثلاث الى ثلاثين سنة بمساعدة حكام السعودية وقطر!!!.
هنا أصبح لزاماً على تلك الجماهير البريئة أن تقرر وجهتها وإنتمائها:
– فأما تصديق السياسيين الطغمويين وإنتظار “الفرج” من داعش التي أزكمت جيفها أنف القاصي والداني.
– وأما الاستماع الى الديمقراطيين من الطيبين ومن شيوخ العشائر الوطنيين الأجلاء الذين دعوا الجماهير المنكوبة الى الإندماج مع جماهير الوسط والجنوب في الحشد الشعبي الوطني التي تطوعت للفداء بدافع النخوة الوطنية وحث مرجعياتها لدعم الجيش والقوات المسلحة رغم بساطة تسليحها وقد تركت عوائلها وهي لم تستلم أية تخصيصات مالية.
هنا نقمت الجماهير وحددت وجهتها وهي تعيش في وضع مزرٍ جداً رغم إحتضان باقي العراقيين لهم كأخوة متحابين، بينما تشاهد تلك الجماهير محرضيها على الكراهية والبغضاء من القادة السياسيين يعيشون في بيوت ضخمة في شارع الأميرات في بغداد (على حد قول أحد نازحي الأنبار في بابل للإعلامي فلاح الذهبي/ فضائية الحرة/ برنامج “حديث النهرين” يوم 27/3/2015) أو يعيشون في فنادق فارهة في أربيل وعمان وبيروت وعواصم خليجية وأوربية أخرى أو التسول في أمريكا بإسم السنة زوراً ونفاقاً، في الوقت الذي ترى فيه الجماهير السياسيين الديمقراطيين ينخرطون في القتال أو يتواجدون في سوحها ليساهموا في تحرير مدن عراقية بعيدة عن سكناهم دنستها داعش. لذا حصل الطلاق بعد أن تنبه الجمهور الى حقيقة القادة الطغمويين وعلى رأسهم النجيفيان أسامة وأثيل.
وهنا أيضاً حصلت انعطافة كبيرة أخرى إنبثقت عن الاولى تمثلت بالتقارب الملفت بين الجماهير السنية وأبناء العشائر من الحكومة والجيش والحشد الشعبي الوطني الذي انخرط فيه المسيحيون والأزيديون والتركمان والشبك الى جانب الشيعة فتحققت لحمة وطنية واضحة لم تؤثر فيها التشويهات والتضخيمات متعددة المصادر والأهداف، وعلى رأسها الإعلام الأمريكي، مستغلة حالات انفرادية من الاساءة لا تشكل نهجاً ولا تخلو منها أي حرب.
لقد أقلق هذا التطور من لم تصحُ ضمائرهم ولم تُجرح وطنيتهم ولم ييأسوا من خداع الجماهير خاصة في ظل التشجيع الأمريكي لهم بإثارة النعرات الطائفية للولوج منها الى الوسط العراقي وإحراز مكاسب سياسية فسلكوا طريق التأجيج ونزلت عليهم جريمة اغتيال الشيخ الجنابي هدية من السماء إن لم يكونوا هم متورطين باقترافها. حصل هذا زيادة على فشلهم المحبط للآمال في تأجيج فتنة بين أطراف التحالف الوطني نفسه مما زادهم والأمريكيين تبرماً وحنقاً.
راح الطغمويون، وليس بعيداً عن التنسيق مع الأمريكيين والسعوديين، يطالبون بـ”حماية” دولية وعلقوا حضورهم في الحكومة والبرلمان. وكما في كل مرة، بل وأكثر، سخرت منهم الجماهير وانضم اليها هذه المرة كثير من المستثقفين صاغرين بل انضمت الى ادانتهم الجماهير التي خدعها الطغمويون والتي دفعوا بها الى التهلكة.
إنهم يبتدعون السبل والحجج من أجل تبرير استدعاء قوات أجنبية الى العراق (ويقصدون قوات أمريكية أو “حليفة” لأمريكا) لتحقيق ما يلي:
1- شد أزر الاستراتيجية السعودية القاضية بلعب الورقة الطائفية على عموم المنطقة لدرء خطر التحول الديمقراطي فيها عموماً بضمنها مطالبة الشعب السعودي بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان والتحول نحو الحداثة وطي صفحة الحكم الشمولي المتخلف والمستبد. ينطوي هذا المشروع السعودي أيضاً على إفتعال صراع مع إيران متعدد الأوجه: طائفي، عنصري، نووي، سياسي تقف فيه السعودية مع إسرائيل كما صرح بذلك، مباركاً الخطوة وداعياً الى توسيعها، السيد جون كيري وزير خارجية أمريكا قبل شهرين تقريباً.
2- معاونتهم، أي الطغمويين، في تنفيذ خططهم الانقلابية التي لم يبارحوها منذ زوال حكمهم الطغموي في عام 2003 .
3- ومن أجل البقاء في الساحة العراقية وكسر عزلتهم الحالية التي أصبحت خانقة بعد الانتصارات التي حققتها القوات الأمنية والحشد الشعبي الفسيفسائي والبيشمركة وأبناء العشائر الغيارى. علينا أن نتذكر مؤتمر السياسيين الطغمويين الذي نظمه الطغمويون برعاية أمريكية – بريطانية لشد عزيمة الطغمويين بعد إنهيارها إثر نفور الجماهير عنهم والتفافها حول الديمقراطيين السنة من عشائر وغير عشائر.
لقد إبتعد بعض الطغمويين عن ذلك المنحى المدمر لكن الأمريكيين بعد حضور داعش شجعوهم على التمسك بالنهج القديم فعادوا اليه.
تجاوبت أمريكا مع هذه الدعوة الطغموية باستقدام قوات أجنبية ولكن بحذر شديد وخبث، مخافة أن تستفز الحكومة العراقية التي يقودها التحالف الوطني مدعومة بديمقراطيي الشعب العراقي، فحاولت ادخال قوات خليجية للتوفيق بين تعهد أوباما الانتخابي بعدم زج قوات برية أمريكية في الشرق الأوسط وبين إلحاح الجمهوريين، وعلى رأسهم السناتوران جون ماكين وليندزلي كراهام، المطالبان بإرسال قوات برية أمريكية. كما نفذ صبر سعود الفيصل، وزير خارجية النظام السعودي، فطالب في مؤتمر صحفي مع جون كيري وزير خارجية أمريكا بتأريخ 5/3/2015 – طالب التحالف الدولي بمواجهة داعش على الارض في العراق وسوريا أي إرسال قوات برية لتسوية الأوضاع السياسية على مرام آل سعود الوهابيين. كما طالب قبل ذلك اياد علاوي في فضائية “العربية” (السعودية) بدخول درع الجزيرة.
أما تركيا فقد إفترضت أنها إكتسبت الحق في التصرف بشؤون الموصل أو ولاية الموصل فراح أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء، “يأمر” العراقيين بعدم إبقاء أي من الحشد الشعبي في الموصل بعد تحريرها ويبقى جيش سني فقط، بكلماته هو!!!. يتكلم أوغلو وكأنه مفوض ليكون صاحب الحل والعقد علينا ويظن أننا غافلون عن ولادة داعش وعما يجري حولنا ولا نعلم أن احتجاز داعش للدبلوماسيين الاتراك في الموصل كان عبارة عن حجز تذكرة “للسلطان” الأطلسي أردوغان لدخول العراق و”استعادة” ولاية الموصل (عثمانياً، ولاية الموصل = نينوى + كردستان العراق) وفرض الهيمنة على باقي العراق في حالة نجاح المخطط الأصلي القاضي بسيطرة داعش على كامل الأرض العراقية، تماماً مثلما تأمل أوباما أن يضع العراق في جيبه يوم لعب لعبته الداعشية عندما إمتطى داعش من الحدود السورية ليعود ويدخل العراق من الشباك الداعشي الطغموي.
لقد أفسد أوغلو على مسعود البرزاني فرحته حينما ظن مسعود أنه أصبح يلعب مع الكبار (أمريكا وتركيا وإسرائيل) فصرح : الحدود لا تحددها الاتفاقيات (يقصد سايكس – بيكو) وإنما تحددها القوة العسكرية (يقصد كركوك والمناطق الأخرى التي احتلها).
إصطدمت كل هذه المخططات بجدار الصمود العراقي بشعبه الفسيفسائي الجميل المتلاحم بعد سحقه مؤامرات التشظية، وبنظامه المصر على بقاءه ديمقراطياً.
والى الحلقة الخامسة حول “الخطأ الاستراتيجي الأمريكي”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995