أثار القرار الذي صدر في يوم السبت الموافق 26/6/2015 من المحكمة العليا وهي أعلى سلطة قضائية في الولايات بالسماح للشواذ جنسياً بالزواج في كافة الولايات الأمريكية مباركة واشادة الرئيس الامريكي اوباما بهذا القانون ردود افعال متعددة ومتباينة في الولايات المتحدة والعالم عموما ورداً على قرار المحكمة العليا فقد أصدر 100 قس إنجيلي أمريكي، وثيقة، مساء الجمعة 26 يونيو/ تموز الجاري ، يرفضون فيه، قرار المحكمة بإلزام الولايات الخمسين بالموافقة على زواج المثليين الجنسيين ، والقرار الذي صدر من المحكمة الامريكية العليا يلزم 13 ولاية امريكية بالقانون الشاذ وذلك لان باقي الولايات سبق ان تم فيها اباحة (زواج الشاذين) ، والولاية الوحيدة التي طعنت في الحكم هي (الاباما) علما ان الرئيس اوباما مهد لهذا القرار بخطوات سابقة أقر فيها للشواذ بالجيش الامريكي في العام (2010) بحرية الافصاح عن ميولهم الجنسية المنحرفة ، كما الغى القضاء الامريكي في (2013) قانونا سابقا كان ينص على ( ان الزواج لا يكون الا فقط بين رجل وامرأة) ، اما في باقي دول الغرب الاوربي والامريكي فأن اغلب تلك البلدان تم اقرار زواج المثليين فيها سابقا وكانت هولندا السباقة في تشريع قوانين الزواج للشاذين وذلك في العام (2001) لتتبعها باقي دول الشذوذ الجنسي الغربي .
اما موقف الشارع الاسلامي من هذا القرار البهيمي الامريكي فقد شجبت الحوزة العلمية في النجف الاشرف بالعراق هذا القرار المخزي ، واستنكرت في بيان صدر عن المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي موقف الرئيس الامريكي المخزي والذي اعتبر فيه هذا القرار بانه ( انتصار لأمريكا وانتصار للحب) ، ورأى المرجع اليعقوبي أن التبجح الامريكي والذي تستنكف حتى الحيوانات الهمجية عن فعله وممارسته هو هبوط الى ما دون البهيمية ، وهو بالإضافة الى منافاته للفطرة الانسانية والغريزة المودعة يشكل عودة الى الجاهلية الرعناء { أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قوما تجهلون} ، وانهم بهذا القرار الذي أقروه اثبتوا {أنهم كالأنعام بل أظل سبيلا} .
واكد المرجع اليعقوبي ان هذا القرار عارٌ على من أصدره ومن رضي به ومن أيده بسكوته عن استنكاره ، وبين ان المسؤولية الانسانية تجعل كل أنسان يشعر بالحياء والخجل امام الخالق العظيم إزاء اجتراء بعض المحسوبين على البشر كل الحدود بهذا الانتهاك الفظيع ، وفند المرجع اليعقوبي ما يتذرع به هؤلاء الخارجين على الفطرة الانسانية من استهلاكهم لمفهوم الحرية في مظاهر انحطاطهم ودونيتهم وبين أن الحرية حق مقدس منحه الله تعالى ولكنها لا تعني الفوضى العارمة في اتباع الشهوات والخروج عن القوانين العقلائية وهم بهذا السلوك الشائن شوهوا هذا العنوان الجميل .
اما في الازهر الشريف بمصر فقد بين الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن الارتباط بين المثليين محرم تماماً فى جميع الأديان كما أنه مخالف لجميع القيم والأخلاق وللفطرة الإنسانية التى فطر الناس عليها، وأنه يخالف الذوق العام والاجتماع البشرى عبر العصور، مؤكداً أن مجمع البحوث قد أصدر فتوى من قبل بتحريم زواج المثليين والسلوكيات الشاذة التى لا يقبلها عقل ولا دين، وأشار كذلك إلى أن زواج الشواذ يرفضه الإسلام، لأنه يعد إنكاراً لأمر معلوم من الدين بالضرورة، وأن من ينكر هذا التحريم أو من يقوم بالزواج المثلى قد خالف أصلاً من أصول الإسلام، وكل من ينكر معلوماً من الدين فقد خرج عن الإسلام . كما أكدت الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر أن الإسلام يرفض هذه الواقعة شكلًا ومضمونًا، إما من ناحية الأخلاقيات العامة أو من ناحية النصوص الدينية، مؤكدة أن ذلك ضد الإنسانية وضد فطرة البشر المعمرة للكون، من وراء اختلاف الأجناس .
وبمراجعة لبعض تلك الردود التي صدرت من شخصيات اكاديمية في أمريكا يمكن ادراك رفض بعض النخب الاجتماعية المهمة للقانون البهيمي من خلال مواقف حملت ردود افعال متباينة من قبل المؤسسات الحكومية الامريكية التي تتشدق بديمقراطية التسافل والانحطاط الاخلاقي والانساني ، ففي ولاية إيلينويس الامريكية تعرض الأستاذ (كينيث هويل ) الى الطرد من الجامعة بسبب شكوى تقدم بها طالب مجهول ، وطرد الاستاذ الذي كان مشهور بامتيازه في التعليم ويشغل كذلك منصب مدير في مركز علمي مهم في الجامعة لأنه تطرق فقط خلال محاضرة له بعنوان “مدخلاً على الإيمان الكاثوليكي” الى موقف الكنيسة بشأن المثلية وأكد خلالها نظرة الكنيسة الكاثوليكية والتي مؤداها أن “الممارسات المثلية هي منحرفة في حد ذاتها، وهي معاكسة للقانون الطبيعي” ، وكذلك بادرت القاضية الأمريكية ( ليندا برنيت ) الى ترك العمل بالقضاء اعتراضا على قرار المحكمة العليا بالولايات المتحدة الامريكية بتشريع الزواج للمثليين ، وأكدت تلك القاضية انها تفضل ان تطيع الله اكثر من إطاعة الناس ، وقالت مؤكدة مبدئيتها ” سأطيع الله .. حتى لو أطعت الله وحدى” ، وينبئ موقف الجامعة والمحكمة من الاستاذ الجامعي والقاضية الى تسلط المؤسسات الماسونية وعناصرها واجهزتها الشيطانية على مقدرات تلك المؤسسات العليا في امريكا والتي تحاول اجتثاث العناصر التي تقف بوجه تلك المخططات التدميرية للإنسان والمجتمع .
ومن ردود الافعال الساخرة والمتهكمة بالقرار الامريكي كانت رسالة رئيس زيمباوي (موغابي) على تصريح الرئيس الامريكي حول قرار المحكمة العليا الذي عبر عنه (أوباما) بـ ( انتصار امريكا وانتصار الحب ) ، فالرئيس الزيمباوي رد في لهجة تتناسب مع العقلية الامريكية المستهترة برسالة جاء فيها : ( إذا كان الرئيس الأمريكي يريد منا أن نوافق على زواج المثليين في بلادنا فعليه أن يوافق أن أتزوجه ليكون قدوة و مثالا عمليا جيدا) ، هذه الرسالة الساخرة كان هدفا لتعليقات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وعنوانا لكبريات الصحف العالمية التي عنونت اولى صفحاتها بالخبر التالي ( أوباما يهنئ بانتصار الحب فهل سيقبل أوباما بالزواج من موغابي بعد إقرار هذا القانون ) ، وربما سيوافق اوباما يوما ما على عرض موغابي ليتأسى برئيس وزراء عاصمة لوكسمبورغ (بيتيل) الذي تزوج من صديقه البلجيكي ليصبح أول مسؤول أوروبي (شاذ جنسي رسمي) على هذا المستوى في الاتحاد الاوربي .
وربما لا يخفى على المتابعين ان البواعث الرئيسية لتوقيتات القرار البهيمي الامريكي هي الجنبة السياسية الانتخابية من قبل الحزب الديمقراطي خصوصا اذا ما تابعنا ردة الفعل والموقف الرسمي من قبل مرشحي الرئاسة الامريكية للعام 2016 عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري المتناقضة ازاء صدور القرار ، فهيلاري كلنتون المرشحة الابرز للحزب الديمقراطي عبرت عن سعادتها وتأييدها للقرار بتغريدة لها جاء فيها ( فخورة بالاحتفال بنصر تاريخي للمساواة في حقوق الزواج ) بينما عبر مارك هاكابي المرشح الجمهوري عن رفضه واستنكاره للقرار وقال منددا بقرار المحكمة العليا في هذا الصدد (هذا القرار المعيب والفاشل من أعمال الاستبداد القضائي غير الدستوري الخارجة عن السيطرة) ، فأن صورة الاحداث في الولايات المتحدة الامريكية وحال صدور القرار كان الانتشار السريع لرايات المثليين في أماكن عدة من امريكا كما بادرت الحكومة الامريكية في سياق تفاعلها السياسي مع القانون الى تعديل الصورة الرسمية لحسابات البيت الابيض على فيسبوك وتويتر لتحمل ألوان قوس القزح التي يتخذها المثليون رمزاً لهم ، وبعيدا عن سخرية الرئيس الزيمباوي فان قرار المحكمة العليا الامريكية وتشريعها لهذا القانون البهيمي جاء ليعبر عن الهمجية التي يتصف بها الغرب والتي تؤكد خروجه عن نواميس الطبيعة والفطرة الانسانية في القوانين التي يشرعها ويحاول تصديرها بعد ذلك بعدة طرق واستراتيجيات ماكرة وشيطانية للعالم أجمع والمجتمع الاسلامي بصورة خاصة ، ومن تلك الوسائل هي خلق مؤسسات تعنى بنشر وترويج ثقافاتهم الحيوانية في المجتمعات العربية والاسلامية كما حصل في الاردن عندما صدرت مجلة ( my.kali) التي تعنى بشؤون المثليين ويديرها مجموعة من المنحرفين جنسيا على الانترنت قبل ان تقيم تلك المجلة ندوة في ارقى فنادق العاصمة عمان وبحضور سفيرة الولايات المتحدة الامريكية في الاردن وبرعاية واشراف من وزارة التنمية الاجتماعية .
كل الديانات والكتب السماوية لها موقف صارم محدد من ظاهرة الشذوذ الجنسي وتستدل على مواقفها من نصوصها القرآنية والانجيلية والتوراتية التي حفلت بمشاهد الغضب الالهي الذي نزل على (قوم لوط أو سدوم وعمورة ) نتيجة ممارستهم للفاحشة واصرارهم عليها على الرغم من نهي الله تعالى لهم وتهديدهم بالعذاب الشديد فيما لو أصروا على الاستمرار على ممارساتهم البهيمية الشاذة ، وعندما نستعرض موقف تلك الديانات الثلاث نجد اتفاق مؤكد فيما بينها على حرمة الشذوذ الجنسي وعلى حجم العقوبة التي يستحقها من يصر على ارتكابها ويشيعها في المجتمعات الانسانية .
فموقف الديانة المسيحية من زواج الشاذين (مثيلي الجنس) واضح من خلال رفضها القاطع لهذه العلاقة ، وتدين الكنيسة الكاثوليكية المثلية الجنسية استنادا الى نصوص كتابهم المقدس ، وتظهر الإدانة مثلا في نصوص إنجيلية منها إدانة بولس في الرسالة إلى أهل رومية للمثلية الجنسية، وجاء فيها “وكذلك الذكور أيضا تاركين استعمال الأنثى الطبيعي، اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلين الفحشاء ذكورا بذكور ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق ” ، وذكر بولس أيضا في تلك الرسالة أن الذين يمارسون المثلية “لا يرثون ولا يدخلون ملكوت الله” ، ويؤيد هذه الرؤيا النص البابوي (نور الايمان) الذي أصدرته الكنيسة ، فقد أشارت الوثيقة المؤلفة من (88) صفحة إلى أن الزواج التقليدي بين الرجل والمرأة هو الذي يحقق الاستقرار، معترضة على أي نوع آخر من الزواج ، اما العقوبة إزاء أصرار هؤلاء الشواذ على افعالهم النكراء فقد ذكرت في عدة أماكن في الكتاب المقدس وهي القتل .
اما في الديانة اليهودية، فتعتبر ممارسة السلوكيات المثلية فاحشة وخطيئة كبيرة يجب الامتناع عنها اما عقوبة المخالف فهي القتل ، وقد ذكرت في العهد القديم قصة هلاك مدينتا سدوم وعمورة بسبب خطايا أهلها، ومنها سلوكهم المثلي كما ذكر في (سفر التكوين، الإصحاح 19)، وذكر فيها كيف دمرها وأحرقها الله بالكامل وجعل السماء تمطر ناراً وكبريتا بسبب عدم توبتهم عن خطاياهم.
اما في الاسلام خاتم الرسالات والاديان السماوية ممارسة المثلية الجنسية محرمة بإجماع مذاهب المسلمين ، لورود نصوص عديدة في القرآن الكريم كما في سورة الشعراء قوله تعالى ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ ، وكذلك قوله ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ ، وفي سورة الأعراف قوله تعالى ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ﴾ ،وكذلك الآية ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾.
والتحريم في الاسلام لهذا الظاهرة المشينة ينطلق بالإضافة الى السنن القرآنية من الحفاظ على الفطرة الانسانية وحماية المثل الاجتماعية والبنى المجتمعية من الانحطاط والرذيلة التي تؤدي بالإنسانية الى دون مصاف الحيوانية وهو ما تهدف اليه النظم والقوانين المادية الغارقة في فوضى الشهوانية والتمرد على النواميس الطبيعية والاديان السماوية ، وختام الكلام بهذه الحكمة العلوية التي نبعث بها الى كل من يحاول اعادة المجتمع الى الجاهلية ومصاف البهيمية ويسعى لتصدير هذه الظواهر المنحرفة والافكار المتفسخة الى مجتمعاتنا الاسلامية ..
(واعتَبِرُوا بِما قد رأيتُم مِن مصارِع القُرُونِ قبلَكُم ) الامام علي (ع)