23 ديسمبر، 2024 7:10 م

أمريكا تقرع طبول الحرب متأخرة

أمريكا تقرع طبول الحرب متأخرة

اندلعت الأزمة السورية مطلع عام 2011 تحت شعارات الحرية والإصلاحات والمطالبة بإقامة نظام ديمقراطي عادل … وهذا مطلب قد يحمل في ثناياه الكثير من المشروعية إذا صدقت النوايا فيه ، وقد وقف ودعم  العالم الغربي وبعض دول العربية والمحيط الإقليمي مع هذه المطالب … على الرغم من اغلب هذه الدول العربية التي أيدت التغيير وطبلت له هي نفسها تعاني من حكم أنظمة شمولية وراثية لا تعرف معنى للديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد ، لكن سرعان ماتحولت هذه المطالب إلى حرب شرسة مفتوحة ألبستها الدول الداعمة للتغيير ثوب الطائفية المقيتة وهيأت لها ماكنة إعلامية ضخمة تعمل على خلق جو من الاحتقان الطائفي داخل المجتمع السوري المتعايش منذ قرون ، وبحثت  عن الجذور الاثنية العلوية للقيادة السورية لتبرزها وتؤطرها بشعارات طائفية ، رغبة منها باستدراج المتطرفين إلى هذا البلد ، وهو نفسه ما قامت به في العراق بعد سقوط النظام عام 2003 حينما صورت أن ماحدث هو انتصار لشيعة العراق وهزيمة لأبناء السنة فيه مما أجج مشاعر التطرف عند الكثير من المسلمين ضد هذه الطائفة وساهم في خلق شرخ اجتماعي فيه …
وبمرور الأيام تحولت المطالب من السعي إلى إقامة نظام ديمقراطي في سورية إلى الجهاد من اجل إقامة دولة إسلامية على غرار الدولة التي إقامتها حركة طالبان في أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي … وفتحت الحدود السورية على مصراعيها لكل من يريد أن يمارس هذا الجهاد المزعوم ضد الروافض والمرتدين ، لتتحول الأرض السورية إلى مرتع للتطرف وحاضنة للإرهاب فرخت في فترة قصيرة عدة منظمات إرهابية اختلفت في مابينها في أيدلوجية حراكها العقائدي ورؤاها الفقهية والسياسية في التعامل مع الواقع على الأرض ، إلا أنها اتفقت على هدف واحد هو إسقاط النظام في سوريا واجتثاث التشيع وكل من يخالف أرائها ومعتقداتها من المنطقة بأسرها ..
وحدث كل هذا تحت مرأى ورعاية بعض الدول الغربية وأولهم الولايات المتحدة الأمريكية … التي أسهمت بتمويل وتسليح هذه الجماعات تحت عناوين دعم الديمقراطية ، مما ساعد في تمدد وانتشار نفوذ التطرف والإرهاب وأصبح عابر للحدود بعدما امتلك الأدوات التي تمكنه من ذلك .. وكانت أولى نتائج وتجليات هذا التمدد هو ما حدث في الموصل في 9 حزيران وسقوطها بيد الإرهاب بين ليلة وضحاها ، والتداعي الأمني الخطير الذي تلا ذلك السقوط  المفاجئ لهذه المحافظة الكبيرة والمهمة بالمنظور الجيوسياسي بالنسبة للعراق ، وتحولها فيما بعد إلى إمارة إسلامية وامتداد للدولة الإسلامية المزعومة التي انشاتها المنظمات الإرهابية في العراق والشام  … وفي خضم هذه الإحداث كانت أمريكا ومن ورائها  تراقب وتتفرج على مايحصل وخصوصا في العراق هذا البلد الذي تربطه معها اتفاقية سيتراتيجية … وبعد مماطلة وتنصل من المسؤولية دام لأشهر ، استطاع خلالها العراقيون احتواء وامتصاص الصدمة والمسك بزمام المبادرة بمساعدة الأصدقاء كروسية وإيران وصد الهجمة الشرسة لداعش ومنعه من التمدد على حساب الأرض العراقية … جاءت أمريكا متأخرة جدا قارعة طبول الحرب على الإرهاب عبر مؤتمري جدة وباريس …
ومعها عشرات الدول في استعراض مسرحي مفضوح الهدف منه سحب يد روسيا وإيران من هذه الأزمة ومخافة أن يحقق العراق النصر على الإرهاب بمساعدتهما ، وهذا بدوره يؤدي إلى خروج العراق من دائرة نفوذها الدولي … ولو كانت النوايا صادقة لديها في تدخلها الأخير هذا لسعت منذ البدء على تحجيم نفوذ هذه الجماعات المتطرفة ومحاربتها وقطع الإمداد اللوجستي الذي تقدمه لها دول حليفة وصديقة لأميركا وخاضعة لقرارها السياسي ، وكذلك لقامت بتسليح وتجهيز وتدريب الجيش العراقي الذي افتقر على مدى السنوات القليلة الماضية إلى الكثير من مقومات الجيوش الحديثة كالأسلحة المتطورة  والتدريب وبناء العقيدة القتالية له … وان دخولها الآن إلى الساحة بهذه الطريقة الخجولة  ماهو إلا محاولة منها لإدارة الأزمة أكثر من سعيها لحلها وتخليص هذا البلد والمنطقة من آفة التطرف والإرهاب ، وبدا هذا واضحا من تصريحات بعض مسؤوليها على إن هذه الحرب ستطول لسنوات عدة على الرغم من أن عدوها المفترض الحالي هو عبارة عن مجموعات متطرفة قليلة وعصابات ذات أسلحة تقليدية ، بينما قامت أمريكا بإسقاط  نظام طلبان في أفغانستان ونظام البعث في العراق بعدة أسابيع قليلة … لذلك على العراقيين المراهنة على أنفسهم وقدراتهم الذاتية في القضاء على الإرهاب وتحرير مدنهم المغتصبة ، وهم قادرون على فعل هذا الأمر … ويبقى التدخل الأميركي والغربي بشكله الحالي هذا ماهو إلا حضور دولي قد تكون له فوائد مستقبلية بشرط أن لايتعدى هذا الحضور إلى حضور أو تواجد بري على ارض العراق وهذا ما يرفضه الجميع .