22 ديسمبر، 2024 7:22 م

أمريكا تفضّل كلابها على حلفائها- امريكا تبيع حلفائها

أمريكا تفضّل كلابها على حلفائها- امريكا تبيع حلفائها

لن يكرر بوتين خطأ ستالين – بهذا العنوان كتبت الصحافة الروسية , حول ما إذا كان يمكن الوثوق بتعهدات الناتو وإن تكن خطية في اشارة واضحة لاتفاق هتلر وستالين فحينها اعتقدت القيادة السوفيتية أنها حصلت على ضمانات أمنية حقيقية، وبنت سياستها على هذا الأساس. وبالنسبة لهتلر، كانت هذه الاتفاقية مجرد كلام على ورق، ألقى به في سلة المهملات بمجرد أن باتت ألمانيا مستعدة لبدء حرب مع الاتحاد السوفيتي , يبدو أن موسكو تعمل على تغيير قواعد اللعبة والاشتباك، التي كانت سائدة على مدى نحو 3 عقود بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بداية عقد التسعينات الماضي, فيما تتحدث واشنطن والعواصم الحليفة لها عن توسعية روسية معاكسة وهادفة لاعادة بسط السيطرة الروسية على الدول والجمهوريات التي كانت إما جزءا من الاتحاد السوفياتي كما حال أوكرانيا، أو منضوية تحت لواءه في اطار حلف وارسو، كما حال بولندا مثلا أو رومانيا
قد كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضحا حول الأهداف الأساسية لغزو أوكرانيا، فهو يريد سحب السلاح من الأوكران وقطع علاقاتهم العسكرية مع حلف شمال الأطلسي ووضع حد لطموحات الشعب الاوكراني بالانضمام للمعسكر الغربي ,في حين تبقى خطط بوتين لتنفيذ هذا الغزو للوصول إلى أهدافه محل خلاف، سيرشدنا التاريخ لفهم ما يعتزم الرئيس الروسي الوصول له من هذا الغزو, إذا فكر بوتين بخيار التقسيم، فمن الممكن أن يصبح الجاليلجاليكيون الاوكرانيون ومدينة ليفيف، قرب الحدود البولندية، جزءا من دولة أوكرانية رديفة، في حين ستصب روسيا اهتمامها على شرقي البلاد
بوتين يعتزم إسقاط الحكومة الأوكرانية المنتخبة بشكل ديموقراطي واستبدالها بنظام يتحكم فيه الكرملين، وكان قد قال بوتين إنه يرى الحكومة الأوكرانية الحالية غير شرعية ورثى مرارا تنحية الرئيس السابق الموالي له، فيكتور يانوكوفيتش، عام 2014، وسيجد بوتين بعض الساسة في أوكرانيا الراغبين بقيادة حكومة موالية لموسكو، وقد يتم فرضها بالقوة ,, رغم ان الكرملين يقول انه لا يريد أن تكون قوة احتلال، لكن من السهل تخيل سيناريو تقوم فيه موسكو بفرض قانونها ثقيل الوطأة في أوكرانيا، وسيكون بمثابة حبة دواء يصعب ابتلاعها على مواطني أوكرانيا فهم يتمتعون بحرية الصحافة وحرية سياسية في الداخل واحتجاجات مشروعة في الشارع، في حين أن النظام السياسي الروسي يمنع بشكل واسع الاحتجاجات المناهضة للحكومة
جمهورية الخوف – هي روسيا , لدى روسيا نظام أمني مبني على الخوف يتم خلاله سجن واضطهاد المعارضين ويبقي المعارضون السياسيون المثيرون للمتاعب خارج المشهد السياسي، وقد اختبر سكان القرم بشكل مباشر ما يعنيه العيش في دولة يسيطر عليها جهاز الأمن الروسي, لم يكن لدى بوتين مشكلة بدعم القادة الذين يلجأون للعنف في الداخل ولديهم تاريخ مشين بحقوق الإنسان، وقد بدأ حكمه لروسيا بإخماد حراك الشيشان

كييف وقعت في فخ واشنطن ؟!!
تنص وثيقة إعلان سيادة دولة أوكرانيا – في قسم الأمن الخارجي والداخلي – المعتمدة في 16 تموز / يوليو 1990 على أن جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية: “تعلن…رسميا عزمها على أن تصبح في المستقبل دولة محايدة بشكل دائم لا تشارك في الكتل العسكرية”. وعلى الرغم من إجراء التعديلات على القانون الأساسي للبلاد في عام 2019، وتمرير نص دستوري يعتبر أن العضوية الكاملة في الناتو مساراً استراتيجياً لكييف، الا أن ذلك البند لم يتم حذفه من وثيقة إعلان استقلال البلاد
في المقابل أرادت الولايات المتحدة– متجاوزةً كعادتها الميثاقيات الدولية – أن تضم كييف الى “حلف الشمال الأطلسي” المتعارف عليه بـ “حلف الناتو”، فوقعت أوكرانيا في فخّ مصالح واشنطن وهي بالأساس الرغبة الدائمة بالتوصّل الى حدود روسيا. وفيما تعتبر أوكرانيا جزء من الأمن القومي الروسي المهدّد من “الناتو” وواشنطن دخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المواجهة، وبعد فشل التوصّل الى اتفاق ضمن الأطر السياسية، تدخّلت القوات الروسية في “عملية عسكرية خاصة,, وفيما كانت الإدارة الأمريكية ورئيسها جو بايدن قد وعدوا الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي بتقديم الضمانات ونوع من “الحماية” لأوكرانيا وكذلك قدّم “الناتو” الوعود بالدفاع وشمل كييف بالمادة الخامسة من معاهدة تأسيس “الناتو” – التي تنص على مبدأ الدفاع الجماعي – الا أن ساعة الصفر كانت منعطفاً استراتيجياً سيغيّر وجه أوكرانيا ويحمل التداعيات على مفاصل التحالفات الدولية العالمية, نقض بايدن بوعوده – وهو ليس مستغرباً من الإدارات الأمريكية المتعاقبة مهما اختلفت هوية الرئيس – وبل تبدّلت خطاباته. فكان بيان البيت الأبيض، الصادر آواخر الشهر الماضي، قد نقل عن اتصال جرى بين بايدن ونظیره الاوكراني “استعداد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها على الرد بحزم إذا مضت روسيا في غزو أوكرانيا”. وما إن بدأت العمليات الروسية تبدّلت المواقف حيث أعلن بايدن بالأمس ان بلاده “لن تنخرط في أي عمل عسكري في أوكرانيا”، مكتفياً بالحدّ “من التعاملات المالية الدولية مع روسيا” ورفع سقف العقوبات الا أنها لم تشمل قطاع الغاز لان ذلك سيضرّ باقتصاد ومصالح واشنطن والدول الأوروبية.
ومما بات معروفاً ان سياسة العقوبات الاقتصادية التي تنتهجها الولايات المتحدة قد لا تنفع في الكثير من الحالات حيث تنجح الدول بالالتفاف عليها بل تحويلها الى فرصة، والجمهورية الإسلامية نموذجاً. أما بالنسبة لروسيا فقد أعلن بنكها المركزي ان “المصارف التي تعرضت لعقوبات كانت مستعدة جيداً لذلك مسبقاً، ومستعدة لإعادة الودائع إذا طلبها العملاء”. ومن ناحية الغاز، قال الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف بعد أن أوقف المستشار الألماني أولاف شولتز تصدير الغاز على خط أنابيب “نورد ستريم 2 “: “حسنًا، مرحبًا بكم في العالم الجديد الذي سيدفع فيه الأوروبيون قريبًا 2000 يورو لكل ألف متر مكعب من الغاز! “، علماً ان روسيا تزود ألمانيا بالغاز بسعر 280 دولاراً
ويظهر التخلّي الأمريكي جليّاً في تصريحات زيلينسكي حيث قال إن “الكل خائف من اعطائنا ضمانات للانضمام إلى الناتو. والحقيقة، لا أحد يريدنا في الحلف، نواجه هذه المعركة وحدنا لا أحد يريد أن يحارب معنا، لا أحد في أوروبا ولا الولايات المتحدة يريد الدخول في حرب مع روسيا , ويقترح إجراء مفاوضات مباشرة مع الرئيس الروسي الذي أبدى بدوره استعداده ” لعقد مفاوضات رفيعة المستوى مع أوكرانيا
فماذا كان ينتظر الرئيس الأوكراني من الولايات المتحدة بعد التجربة الأفغانية في أيلول الماضي؟ ألم يشاهد كيف بدّت واشنطن الكلاب الأمريكية على من خدمها من الأفغان لسنوات؟ ولمرة ثانية، يجب أن يتوقّع زيلينسكي أن الإدارة الأمريكية ستفضّل كلابها في كييف على حياته وحياة الشعب الأوكراني
لعل أهم عواقب الأزمة الأوكرانية الراهنة، بالنسبة للبلدان العربية على وجه التحديد، سوف تكون أزمة غذاء عالمية، أو بالأحرى مجاعة
لقد خلقت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، من خلال سياساتهما المالية غير المسؤولة، وإصدار النقود غير المغطاة، خللاً هائلاً ما بين كمية البضائع في العالم ومقدار الدولار واليورو والجنيه الإسترليني. ونتيجة لذلك، ترتفع الأسعار في جميع أنحاء العالم باضطراد، بما في ذلك أسعار البنزين والغاز والمواد الغذائية. وفي ظل سيناريو القصور الذاتي، فإن علينا أن نقترب من التضخم العالمي المفرط وانهيار الاقتصاد العالمي في غضون عامين ,
وكاانت المصانع الكيماوية التي تنتج الأسمدة الزراعية قد بدأت فعلياً بالإغلاق الخريف الماضي في أوروبا بسبب ارتفاع أسعار الغاز، وهو ما سيؤدي، بطبيعة الحال، إلى نقص في الأسمدة هذا الربيع، وبالتالي إلى ارتفاع أسعارها، وإفلاس عدد من منتجي المواد الغذائية. الأمر الذي سيخفض الإنتاج العالمي من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى انخفاضاً حاداً هذا العام, تعتبر روسيا وأوكرانيا الموردين الرئيسيين للحبوب الرخيصة للدول العربية. فكلا الدولتين تصدران ما مجموعه 29% من الصادرات العالمية للقمح و19% من الذرة، و80% من زيت عباد الشمس. ويبدو أن أوكرانيا، بناء على أوامر من واشنطن، تعتزم الهجوم على جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، اللتين اعترفت بهما روسيا مؤخراً. وعلى الأرجح أن روسيا سوف تضطر إلى الدفاع عنهما، لتصبح أوكرانيا حينها ساحة للقتال هذا العام. أضف إلى ذلك أن الزراعة الأوكرانية ستعاني بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة والنقص المحتمل في وقود الديزل والجرارات والحصادات. باختصار، ستنخفض صادرات الحبوب الأوكرانية هذا العام بشكل كبير أو قد تتوقف تماماً,, لن تواجه روسيا أي مشكلات في إنتاج الأسمدة والحبوب. ومع ذلك، فإن العقوبات الغربية المحتملة قد تعرقل تجارة روسيا مع دول ثالثة، حيث تصدر روسيا 70% من قمحها إلى الدول العربية. وإضافة إلى استحالة التسويات بالدولار واليورو، فمن المرجح أن تواجه حكومات الدول العربية ضغوطاً من الولايات المتحدة الأمريكية لوقف التجارة مع روسيا ٠ علاوة على ذلك، فإن التضخم العالمي وتشديد السياسة المالية من قبل الغرب سيجعل القروض أكثر تكلفة وأقل إتاحة، ما يعني أن عدداً من الدول العربية سوف تواجه أزمات في العملة والديون. وستضطر الحكومات إلى التخلي عن، أو على الأقل خفض الدعم على البنزين والمواد الغذائية المستوردة. وبشكل عام، قد يواجه بعضها مصير لبنان هذا العام.
في كتابه “كيف تبيع أمريكا أصدقاءها” يقول الأستاذ مجدي كامل: “لا صداقة مع أحد تدوم ولا وفاء لأحد يستمر، هذا هو المنطق السياسي الأمريكي في التعامل مع الأنظمة الحاكمة في كل زمان ومكان، منطق الغدر هذا لا يستثني أحدا، ليس فيه مكان لحليف أو صديق، الجميع سواسية، المعيار الوحيد هو المصلحة, وعدد الكاتب الحلفاء الذين باعتهم أمريكا، كان منهم شاه إيران، والرئيس الفلبيني ماركوس، وسوهارتو الإندونيسي، وحسني مباك وعمر البشير، وباتيستا الكوبي وغيرهم، كلهم تنكرت أمريكا لصداقاتهم, لقد آن أوان نبذ التبعية لأمريكا، فالمتدثر بها عريان، وابتغاء الحفاظ على العروش بالارتماء في أحضانها رغم التجارب السابقة هرولة وراء السراب, كما أنه لا ينبغي التعويل على تغيير القيادات الأمريكية، فقد ثبت أن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة جوهرها ثابت، والمتغير هو شكلها ومظهرها، فكل يؤدي دوره بحسب متطلبات المرحلة.