17 نوفمبر، 2024 11:47 م
Search
Close this search box.

“أمريكا ترامب”: من يلعب على من أمام القيصر؟

“أمريكا ترامب”: من يلعب على من أمام القيصر؟

ربما كانت هناك حركة كبرى تجرى ضد ترامب في الولايات المتحدة وسط مزاعم حول قربه من روسيا. في الحقيقة، قد تصبح التسريبات الروسية التي تشكل الآن محوراً للكثير من المجادلات المقيتة حول الحملة الرئاسية لدونالد ترامب فضيحة سياسية عظمى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حسب تقرير مفصل أورده موقع “ذا هيل” الذي يتابعه البيت الأبيض والمشرِّعون الفيدراليون وتعتبر البحوث والتقارير التي تصدر منه حيوية في تبيان إتجاهات السياسة الأمريكية والحملات الرئاسية.
حضر ترامب المؤتمر الصحفي للبيت الأبيض يو الخميس الفائت ووصف التقارير التي تدعي أن لمستشاري حملته الإنتخابية إتصالاتٍ غير مقبولة مع المسؤولين الروس “بالأخبار المزيفة”. غير أن ترامب ربما وجد نفسه دون أن يدري في مركز واحدة من أكثر المؤامرات تعقيداً على مر الأزمان.

يقول باول سجيف بيرمان أحد كتاب الرأي في موقع “ذا هيل” بهذا الصدد:”ربما تآمر مسؤولو المخابرات الروسية مع إدارة ترامب للتدخل في نتائج الإنتخابات وصبّها في خانة إنتخاب ترامب رئيسا، بهدف تقويض البلد الذي تتننافس معه روسيا للسيطرة على العالم منذ أيام الحرب الباردة”، ويفترض بيرمان أن الرئيس فلاديمير بوتين ربما كان مشاركا في المؤامرة كذلك.

بينما يستمر تسرب التقارير حول مزاعم الإتصالات التي أجرتها إدارة ترامب مع روسيا، ربما يكون بعض أعلى مستشاري الرئيس درجةً قد ارتكبوا نوعا من الخيانة لإسقاطه، ورغم أن الأدلة حول واقعية هذه الفرضية قليلة جداً، فإن الولايات المتحدة قد تجد نفسها في وضع حساس وحرج ، إذا تبين أن هناك مؤامرة بالفعل على الرئيس ترامب.

الدليل على وجود الحركة المضادة لترامب:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على كل حال، هناك حقائق لا نزاع حولها وباردة بما فيه الكفاية، تشير الى أن إدارة ترامب قد تكون تتآمر سراً مع مسؤولي المخابرات الروسية لزعزعة جلوس رئيس الولايات المتحدة على كرسيه والتشكيك في بقائه في المنصب، إلا أن هذه الحقائق ، بعد كل شيء، لم يتم التوصل إليها فعلا في الوقت الحاضر. سجلات الهواتف والمكالمات التي تم إعتراضها ورصدها، وكُشف الستار عنها من قبل النيويورك تايمز، تشير الى أن شخصيات في قمة هرم إدارة الحملة الإنتخابية الرئاسية لترامب، وفريقه الإنتقالي وإدارته الجديدة، واضبوا على الإتصال مع كبار مسؤولي المخابرات الروسية.

مايكل فلين الذي استقال من منصبه الأسبوع الماضي كمستشار للأمن القومي بعد كذبه المزعوم حول مناقشاته مع الروس، أصبح ثالث كبار أعضاء فريق ترامب المستقيلين بسبب صلاتهم المزعومة مع روسيا. كان رئيس الحملة الإنتخابية لترامب باول مانافورت قد استقال في آب 2016، وحل محله حينذاك كبير موظفي البيت الأبيض الحالي المهتم بوضع الإستراتيجيات ستيف بانون. بعد شهر من استقالة مانافورت، اي في أيلول من نفس العام، إستقال مستشار السياسات الخارجية لحملة ترامب كارتر بيج جرّاء تحقيقات قام بها ضباط من المخابرات الأمريكية حول إتصالات مزعومة بينه وبين أحد كبار موظفي المخابرات الروسية. إما أن تكون هذه الإستقالات مصادفات إعتيادية لا رابط بينها أو أنها أدلة إضافية على تآمر إدارة ترامب وفريقه مع الروس.

هل تمَ التلاعب بترامب من قبل إدارته الخاصة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في كانون الثاني من هذا العام، وجدت الوكالات الإستخباراتية الأولى في الولايات المتحدة روابطاً في إتجاه إحدى العمليات الإستخباراتية الروسية بعينها، كانت لها إتصالات مع كبار أعضاء فريق ترامب، وتم من خلال هذه العملية تهكير وإختراق البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون ومن ثم تسريب رسائلها الى الرأي العام. إعتبر المعنيون أن هذا التسريب الذي حدث قبل أسابيع من يوم الإنتخابات الرئاسية في 8 تشرين الثاني 2016، كان السبب الأكثر إحتمالاً لخسارة هيلاري كلينتون المفاجئة في السباق الرئاسي.
أكثر من ذلك، إستنتجت نفس الوكالات أن الرئيس فلاديمير بوتين بنفسه أصدر الأمر بتسريب الرسائل في محاولة لترجيح كفة ترامب في السباق الرئاسي الذي كانت كل التوقعات تشير الى أن فرص كلينتون في النجاح أكثر.
طبقاً لم رُفع عنه الستار حديثاً، كان لفلين إتصالاً مزعوماً منتظماً مع الروس حتى بعد الإنتخابات وزوّد المخابرات الروسية بمعلومات تصنّف على أنها سرية في محاولة لتخفيف أثر العقوبات التي فرضها الرئيس أوباما على روسيا بسبب التهكير الإنتخابي.
في الوقت الذي لا يوجد فيه أي دليل على أن التهكير الإنتخابي أو إتصالات فلين كانتا بموافقة الرئيس ترامب او بعلمه فإنه لم يأمر بأي تحقيق حول البيان الذي أصدرته القائمة بأعمال المدعي العام سالي ياتس بشأن الإتصالات المزعومة لفلين مع الروس، بل أنه، على ما يبدو، لم يغفر لها ذلك وأقالها بعد

أربعة أيام فقط من البيان.

ترامب يخفي سجلات مالية بسبب العلاقات الروسية:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عندما تحدث البيت الأبيض عن إستقالة فلين في الأسبوع الفائت قال أن فلين ضلّل نائب الرئيس مايك بينس حول إتصالاته مع الروس وكذب بشأن مناقشة العقوبات مع السفير الروسي لدى واشنطن، قبل دخول ترامب الى المكتب البيضاوي. هذا يعني أن البيت الأبيض دفع فلين الى الإستقالة وأبعده لكذبه وليس بسبب خرق القانون أو التآمر المزعوم مع الروس.
بالعودة الى إستقالة فلين في المؤتمر الصحفي الأخير، قال ترامب أن ما قام به مستشاره للأمن القومي المستبعد “لم يكن خطئاً”، وأضاف أنه “لم يكن سعيداً” فقط حول كيفية إخبار بينس بالمعلومات عن الإتصالات الروسية.
يقول بيرمان:”إذا كان ترامب فعلا على دراية بتعامل إدارته مع الروس أو أنهم قاموا بتلك المعاملات نيابة عنه، فإن رفضه الإفصاح عن سجلاته المالية تعني الكثير”، أو كما قال السيناتور كريس مورفي قبل أيام:” ربما كان ترامب يمسك بسجلاته المالية بعيداً عن الأنظار بسبب وجود تعاملات مالية مع الروس أو حتى ربما كانت هناك مدفوعات مالية مباشرة من قبل الروس.
يذكر أن ترامب خلال حملتة الإنتخابية المثيرة للجدل، هاجم العديد من البلدان الأجنبية باستثناء روسيا، كل ما سمعه الناس عن روسيا من ترامب كان مدحاً وثناءاً على المُثُل القيادية لبوتين، بالإضافة الى تعهدات متكررة لتوطيد العلاقات بين موسكو وواشنطن.

حدوتة ترامب-روسيا مجرّد بداية:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعتقد العديد من المراقبين أنها مجرد بداية فعلاً، بالرغم من أن الأدلّة المتوفرة حول تأكيد أو نفي علاقة ترامب بروسيا قليلة جدا ولا ترقى الى الإعتبار. يرى آخرون أن مزاعم تآمر إدارة ترمب من وراء ظهره مع الروس تثير القلق فعلاً لعدد من الأسباب:
الأول- هناك تقارير متلاحقة حول قيام روسيا بنشر الصواريخ في إنتهاك لإتفاقية الحد من إنتشار الأسلحة البرية.
الثاني- ربما يهدف بوتين بنشر الصواريخ الى تحدي ترامب وسط أزمة الإدارة التي سببتها الصلات المزعومة، غير المقبولة، مع المنافس التقليدي للولايات المتحدة، في إشارة غير مباشرة الى وجود أوراق ضغط تحت يديه.
الثالث- إذا كان ترامب قد تعرض فعلاً للتعتيم من قبل أعضاء إدارته في إتصالاتهم مع المخابرات الروسية، فما هيى خطة هؤلاء المنشقين الإفتراضيين؟ أما إذا كان ترامب مطلعا على الأمر وجرت الإتصالات بموافقته، فما الهدف الذي يريد البلدان أن يحققاه؟

روسيا تراقب وتتوجّس:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بدأ الروس يعتقدون أن العلاقات مع إدارة ترامب لن تكون وردية كما كانو يأملون، كانت أنظارهم تتوجه نحو ترامب لبناء مستقبل أفضل، الأمر الذي لم يكن منتظرا من هيلاري كلينتون، غير أنهم بعد حوالي أربعة أسابيع يشاهدون الرئيس، كأنه وقع فرلايسة لدوائر حزبه الجمهوري المحافظ، حيث لاحظوا أن توجهات سيد البيت الأبيض الجديد وقراراته لا تصب، أو على الأقل، لا تتوافق مع سياسات ومواقف بلادهم. كل ما هنالك، إستمر ترامب في مدح روسيا والثناء على رئيسها واحترامه رغم أن بعض المحطات الإخبارية الأمريكية الشهيرة تصفه بالقاتل.

في الواقع، لم تتعرض أجراءات ترامب لمصالح روسيا مباشرة ولكنها استهدفت حلفاءها وشركاءها في المنطقة. الأمر الرئاسي بحضر السفر، مثلا، لم يخرج من خط أوباما الذي كان بصدد اتخاذ إجراءات مشابهة بحق نفس البلدان السبعة ذات الأغلبية المسلمة أو بعضها على الأقل: إيران والعراق وسوريا والصومال واليمن وليبيا والسودان، وهي في أغلبيتهم بلدان حليفة لروسيا، واستبعد ، مثل أوباما، البلدين اللذين كان لمواطنيهما الدور الأكبر في الإرهاب العالمي، بضمنهم العقول المدبرة لأحداث 11 /9 وأغلبية خاطفي الطائرات الإنتحاريين. وبينما حامت الشكوك حول سبب إستبعاد البلدين، وأنه ربما كانت العلاقات الإقتصادية التي تربطهما برامب، فإن روسيا استخلصت أن إدارة ترامب تتمسك بالحلفاء التقليدين لها في المنطقة، وإنها لن تنتظر تغييرا عن السياسة الأمريكية المعهودة.
ما لفت الإنتباه أكثر في موسكو ودق جرس الإنذار هو الإستهداف السريع والقوي لإيران بسبب تجربتها الصاروخية وفرضها عقوبات مباشرة على 22 شركة إيرانية والعديد من مسؤوليها والمتعاونين معها، ثم مضت إدارة ترامب أكثر لتعلن أنها وضعت إيران تحت المراقبة كدولة داعمة للإرهاب رقم 1، وأن كل الخيارات ممكنة، ثم سربت نيتها، عن طريق تقارير إخبارية لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وادّعت أنها، اي إيران، توزع الأسلحة والأموال في كل إتجاه لدعم ورعاية إرهاب “الدولة الإسلامية”، وهو الإتهام الذي تراه روسيا أولى بالسعودية.

دبلوماسية الكرملين وعدم تسامح الخارجية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بينما كا الناطق باسم الكرملين دبلوماسياً في تعليقه حول موقف الولايات المتحدة ضد ايران بقوله:”ليس سرا أن موسكو وواشنطن يحملان وجهات نظر متعارضة دراماتيكياً حول العديد من المسائل العالمية والأقليمية، إلا أن ذلك لن يكون عائقا للإتصال بين البلدين والتفاهم حول المصالح المشتركة “. فإن وزير الخارجية لافروف لم يكن متسامحاً في تعليقه عندما وصف تصريح الرئيس الأمريكي بغير الصحيح وقال:”لم تكن لإيران أية علاقة مع داعش أو جبهة النصرة” وأضاف لافروف:”أكثر من ذلك ، إيران تقاتل داعش، وقد تعاونا معا لبناء جبهة مضادة للإرهاب، وأن ايران يجب أن تكون جزءاً من أي جهد عالمي لمحاربة الإرهاب إذا أردنا أن نقيم حلفاءنا بموضوعية” ، طبعاً لن يروق مثل هذا التصريح لأمريكا ولهذا رأينا أمس وزير الخارجية الأمريكي يصرّح:” على روسيا أن تعديد النظر في وصف المعارضة السورية بالإرهاب قبل أن نبدأ اي جهد مشترك في ذلك البلد”

ما يؤرق الكرملين حقا هو الموقف الأمريكي من مشكلة أوكرانيا وتراجع إدارة ترامب عن وعودها بتخفيف العقوبات المفروضة عليها بسببها، ووجد الكريملين نفسه في مواجهة شائعات حول أمر رئاسي مرتقب لتمديد العقوبات الأمريكية وأمام قول الرئيس الجديد: أنه من المبكر جداً إتخاذ قرار بشأن هذه المسألة، في الوقت الذي صرحت فيه يوليا تيموشينكو ان الرئيس ترامب وعدها بإبقاء العقوبات على موسكو.

الشرق الأوسط ميدان للتنافس:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في النهاية منطقتنا هي المنطقة الحيوية التي يبحث فيها الطرفان على مصالحهما وتعزيز نفوذهما لتأمين تلك المصالح وتطويرها الى الحد الذي لن تتمكن حتى جبهة موحدة لمحاربة داعش والإرهاب العالمي في جمعها على مائدة صداقة وربما كا ترامب شديد الوضوح عندما قال:”الإحترام لا يعني أنني سأكون مع بوتين على طول الخط”. مما لاشك فيه والحال هذه، أن الكرملين سوف يعيد وزن وتقييم إدارة ترامب بعد مواقفه غير المتوقعة التي تحدثنا عنها، وربما إستنتجوا في مرحلة ما أنه ربما كان خيراً لهم لو أنهم دعموا الشيطان الذي كانوا يعرفونه (هيلاري كلينتون).

هناك العديد من الأسئلة بانتظار الأجوبة، ولن يتبدد الغموض نهائيا إلا بعد حصولنا على المزيد من التسريبات والإكتشافات، وربما الإعترافات حول العلاقات المزعومة بين إدارة ترامب والمخابرات الروسية، أو أن ننتظر الأيام وحوداثها التي لا تخلو أبداً من المفاجآت.

أحدث المقالات