تروي الأسطورة أن حصار الإغريق لطروادة, دام عشر سنوات, فابتدع الإغريق حيلة, حصانا خشبيا ضخما أجوف, ملئ بالمحاربين, وقدم كهدية لطروادة, أما بقية الجيش فظهر كأنه رحل, لكنه اختبئ وراء جبل تيندوس, وفرح الطرواديون بفك الحصار, وقبلوا الهدية على أنها عرض سلام, واحتفل الطرواديون وابتهجوا وسكروا, وبعد منتصف الليل خرج المحاربين من الحصان, فقتلوا كل الرجال واخذوا النساء, وفتحوا الأبواب للجيش الغازي, فسقطت طروادة.
مدينة الرمادي, تحولت إلى مدينة أشباح, نتيجة النزوح الجماعي لأهلها, بفعل التقدم لتنظيم داعش, ودخوله مناطق كانت بعيدة عن يده, فالخوف والقلق من همجية داعش, كانت علة النزوح, وحصل ما حصل بسبب غياب دور التحالف الدولي, وهشاشة فعالية ضرباته, التي سوقت إعلاميا فقط, وانعدم تأثيرها على ارض الواقع, بالإضافة لضعف دور العشائر في التصدي, فكانت بين خائن للوطن ,وبين من لا يملك القدرة على المقاومة, فتكاد تبتلع رمال الصحراء مدينة الرمادي.
نتناول هنا الموقف الأمريكي الرسمي, بخصوص أخبار قرب سقوط الرمادي, بيد الدواعش, وردة فعلهم بشان النزوح الجماعي.
المؤتمر الصحفي الأخير للبنتاغون, قال الجنرال مارتن ديمبسي, رئيس هيئة الأركان المشتركة, أن ” استعادة السيطرة على الانبار ليس أمرا مهماً للقيادة الأمريكية وحتى العراقية, وأضاف الجنرال ديمبسي إن المدينة الصحراوية, بأية حال لا تشكل رمزية بالنسبة لأمريكا, لأنها لم تعد جزءاً من (الخلافة) التابعة لمسلحي داعش, فضلا عن أنها لا تشكل تهديداً لمستقبل العراق! وقبل تصريح ديمبسي, قلل مسئولي البنتاغون, من احتمالية وقوع مدينة الرمادي بيد تنظيم داعش.
عدم مبالاة أمريكية غريبة, كأنهم يريدون الانكسار الكبير في الرمادي, فعملوا على شقين لتحقيق هدفهم الخفي, الأول: إيقاف تدخلهم الجوي, فمع الظهور العلني لقوافل الدواعش, اختفت الضربات الجوية, أو اللجوء لمسرحية كوميدية بضربات جوية, تقتل شخصين وتترك المئات, الشق الثاني : حربهم للحشد الشعبي, بالإضافة إلى تحريكهم دمى أهل السنة, ليطالبوا بمنع الحشد الشعبي من التدخل, مما سمح للفاجعة إن تحصل, مع تحريك الجوقة الإعلامية, من فضائيات العهر العربية والعراقية, ضد تدخل الحشد الشعبي, كي يتفرد الدواعش بالمنطقة الغريبة, ويتحقق واقع جديد, وألان على بعد خطوة من تحقق المكر الأمريكي.
أمريكا تخطط لإحداث ثغرة جديدة في جسد الوطن, تمكن داعش من الظهور العلني, والتماس جغرافيا مع العاصمة بغداد, فعملت على تجاهل ما يحدث في الرمادي, واختفى الغطاء الجوي الأمريكي, مع التمدد العلني للدواعش, حصل تجاهل غريب, وأمريكا ملئت الدنيا زعيقا عن حربها ضد داعش, فإذا بها تتخلى عن إعلانها, وتترك الدواعش يبتلعون مدينة الرمادي, وهم يشاهدون الحدث برضا مبهم, كي تظهر ولاية داعشية جديدة, بجانب العاصمة.
قد يكون الهدف من تراخي الموقف الأمريكي, هو للدفع بقادة أهل السنة, للطلب من التحالف العربي للتدخل, بعد إن منعت الجيش والحشد من التحرك, وبوسائل مختلفة, وزيارة النجيفي والجبوري والمطلك للأردن أخيرا, تثبت هذه الرؤية الأمريكية الخبيثة, وهذا الأمر يدفع للتصادم المحاور المباشر على ارض العراق, وهو غاية أمريكية إسرائيلية كي يحطم العرب بعضهم, بدفع خونة الساحة وجماهيرها الساذجة, لتكون مطية للحلم الأمريكي.
بغداد هي الغاية, فدفعت بالأمور في الرمادي لتسوء, كي ينزح أهلها, ويدخل معهم للدواعش متنكرين, بعنوان نازحين, كي ينتظروا ساعة الصفر, ليحرقوا العاصمة, ويحدثوا بلبلة عظيمة, تعيد البلد إلى حافة الهاوية, ويثبتوا موطئ قدم داخل بغداد, ومعها يكسرون الروح المعنوية للعراقيين, بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش العراقي والحشد الشعبي, وأخرها الاقتصاص من المجرم الهارب عزة الدوري.
ما يجري ليس مجرد مصادفة, بل مكر وخداع كبير, ومنهج ورؤية شريرة, فالسيد الأمريكي يقود القطيع بسياطه نحو غايته.