18 ديسمبر، 2024 7:19 م

أمراض لا يعترف بها الأطباء !

أمراض لا يعترف بها الأطباء !

في موسم الحج عام 2006 ، كان معي في السكن حاج يشكو من أعراض مرضية متنوعة في بطنه، تفرض عليه الاستفراغ والتقيوء، إضافة إلى الدوخة، واصفرار الوجه، وعدم الرغبة في الطعام، ماذكرني بالمثل العراقي الدارج: العافية تاكل.
اخذته الى البعثة الطبية العراقية، لعلها توصف له العلاج، ولاسيما انني اكره “التهوع” مثلما أكره رائحة “الزواع”، فالغاية مشتركة، يشفى هو، وارتاح أنا.
اجرى الطبيب الفحص التقليدي، معللاً الحالة بتغير الطعام والمكان، وأعطاه شريطي أقراص أحدهما بسكوبان لعلاج تقلصات البطن، والآخر سبازمو لإيقاف التقيء، رجعنا الى الشقة، وكان معنا حاجان طبيبان، شافا الدواء وايدا التشخيص مع بعض النصائح.
لكن صديقي الحاج ظل يتلوى، وعلى قول اهلنا، لم “يمض” به الدواء.
ذهبنا في اليوم الثامن من ذي الحجة الى منى، المعروف بيوم التروية، وصاحبي الحاج لم يتماثل من المرض حتى بعد أن اكمل جرعتي الدواء، بل كانت حالته تسوء، غير أنه يحاول أن يبدو متماسكاً برغم أن نوبات المغص تجعله ينحني ضاغطاً بكلتا يديه على بطنه من شدة الألم، وكنت ارقيه مرة، واخفف عنه مرة اخرى، بكلمات اروح عنه بعض مايعانيه، مع اني أدرك جيداً ان الوجع لايزول بكلمة أو ملاطفة.
وجاء اليوم التاسع من ذي الحجة، وانطلقنا الى صعيد عرفات، وطول الطريق كان صاحبي “يزوع”، الى حد انني استنفدت كل الاكياس” العلاليك” الموجودة لدى الحجاج في الحافلة التي تقلنا، ومن شدة الحرج، اسمعته بعض كلمات التأنيب عسى أن يتوقف عن التقيء، وبعد أن أكملنا رمي الجمار والطواف والسعي، وذبح الهدي، وحلاقة الشعر، عدنا الى السكن لنحل الإحرام، غير أن صاحبي لم يكف عن التقيؤ، برغم أنه لم يدخل في جوفه طعام اوشراب.
طرقنا باب أحد مستشفيات مكة المكرمة، ولم يكن العلاج أفضل حظاً من سابقيه، وعدنا بخفي أكياس ” الزواع ” .
في السكن كان هناك الحاج حسام، وهو رجل منزوي بنفسه، يخرج ويعود وحده، وربما سنوات الأسر التي قضاها في اقفاص ايران 23 سنة، جعلته منطوياً وكئيباً.
استدارعليّ، وقال “اشبي صاحبك”، فسردت عليه حالته، وقبل اكمل بإسهابي المعتاد، قال : هاي صرته مشلوعة، وسكت على ضحكات الطبيبين.
تداركت الأمرمحاولاً عدم الالتفات إليهما: كيف؟
أجاب : ارجعها ويصير زين.
الطبيبان بدورهما، سخرا من هذا التشخيص، وقال أحدهما : إن دور المشيمة ينتهي بالولادة، وتصبح مجرد أثراً في الجسم بعد قص المسار.
لكني اصررت على علاجه بطريقة الحاج حسام، وأنا أقول لهما : دعونا نجرب، كما جربناكم وفشلتم.
طلب الحاج حسام من صاحبي أن يستلقي على الأرض واجرى حركة صرخ من شدتها، ثم اردف: هاقد عادت الصرة الى مكانها.
كان الطبيبان يترقبان وضع صاحبي، الذي نهض، وقد تورد وجهه بعد اصفرار، وصاح : راحت الدوخة، وزالت اوجاع البطن، واشتهي آكل.
ذهبنا سوية الى المطعم، فيما يؤكد أحد الطبيبين ما سبق ان نفاه من وجود مرض بإسم ” الصرة مشلوعة”، وما تحسن حالته الا قضية نفسية.
وهنا تذكرت رواية يحيى حقي، قنديل أم هاشم، ولعل الفكرة تتخمر لدي، لأكتب رواية صرة الحاج حسام.
ولو كان بيتكم قريب ، والباقي عليكم.