لا النظام الديمقراطي كان الحل للصراع الطائفي في العراق، كما أعتقد خطأً علي الوردي الذي كان يظن أنّ في معالجة مثل هذا المرض الأجتماعي تعتبر الديمقراطية كنظام سياسي هي الملجأ لمثل تلك الصراعات، ولا الرفاه الأجتماعي والأزدهار الأقتصادي للبلد سيصبح الحل الناجع لمثل تلك الآفات في العراق. فالطائفية في العراق قديمة قدم بغداد، و البصرة!
كان النظام السياسي في العراق في العهد الملكي نظاما برلمانيا ديمقراطيا، ومع هذا فلقد كان نهج الحاكم العثماني المتمثل في العـزل الطائفي هو السائد حتى بعد تأسيس الدولة العراقية 1921. ورغم أنّ العراق أصبح دولة مستقلة عن الدولة العثمانية ولها ملكا وعلما، فحكومتها كانت استمرارا للنهج الطائفي العثماني وهذا ما تبنته مذكرة الملك فيصل الأول حين أشار إلى ذلك وعبرّ عنها ووصفها وصفا طائفيا. ولم يتوقف ذلك المد الطائفي بعد انتهاء الحياة الديمقراطية في العهد الملكي بل استمر في العهد الجمهوري وكان على اوجه في عهد الاخوين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف. وأكثر من ذلك في عهد الطاغية المجرم صدام ومابعده حيث عصر الديمقراطية منذ 2003 والى الآن!
ومن الملاحظ ايضا أنّ الأنسان العراقي سواءا عاش في العراق أو في مجتمع مُرفه ومزدهر كالمجتمع الأمريكي أو الأوروبي، لاينفك عن التذكير بإنتماءه القبلّي وتعصبه المذهبي! إلا أنّ التعصب المذهبي والتعنصر الطائفي ليس وحده المرض الوحيد الذي يعاني منه الفرد في المجتمع العراقي، حيث تلاحقه مجموعة من العقد التي تنشأ معه بسبب تأثيرات البيئة أو التربية ! ومن هذه الآفات الأجتماعية، الصنميّة وهيّ اتباع ليس فكرا سياسيا أو مذهبا، وإنما أتباع شخصية سياسية أو دينية أو حتى ذات صبغة قومية ويظفى عليها صفة القدسية! والذين ينزعون إلى الصنميّة تبدو عليهم آثار الجهل والطمع، فتجدهم محدودي الثقافة والعلم ويتسارعون في الظلم والتعدي على الآخرين لأن أذهانهم تنغلق عن الأطلاع على فكر الآخرين ويلتمسون العذر عن أخطاء ممن يقدسونهم. وقد تكون الثقافة والأطلاع والتزود بالعلوم الخطوة الأولى للقضاء على تلك الآفة التي لا تقل خطرا عن الطائفية إن لم تكن الحد المانع للصنميّة! ولو بحثنا وتمعنا النظر جيدا في أسباب هذه الآفة لوجدنا أنّ جلّ المصابين بها هم من عامة الناس ومن ذوي العقول الضعيفة أو أصحاب الثقافة المحدودة والتعليم المقتصر على التلقين، حيث المنتمين إلى التيارات الدينية أو القومية يمثلون في الغالب الأعم أكثرية من أنصاف المثقفين والأُمييّن ولهذا أضحت الصنمية لديهم مذهبا يميزهم عن بقية اقرانهم. ويكمن السبب الاساسي ايضا في تحركاتهم تلك، وفيها امتهان ذواتهم حدا لايستسيغه الانسان العاقل، بسبب مصالح شخصية في الوصول الى مراكز السلطة والقرار للانتفاع ماديا ومعنويا. وإن كان فيهم من يحسب على المثقفين، فهم بطبيعة الحال تحركهم مصالح وآمال شخصية بحتة في الوصول والأرتقاء بواقعهم الشخصي لا واقع مناطقهم الجغرافي أو المجتمعي، إلى حالة أفضل لأنهم يعتقدون أن في الشخصية التي يقدسونها ذلك النفوذ وتلك القوة التي تدفع بهم إلى مكامن القوة والتحكم بغيرهم من الناس أمثالهم فتنتقل تباعا مصادر القوة إليهم ويفوزون بالمنصب أو الوظيفة أو المال الذي يؤهلهم لتحقيق ذلك الطموح. وإن كان طموح أي أنسان يتمتع بالحرية في التفكير والأختيار مشروعا، فلابد لتلك الحرية من تأصيل ولابد لذلك الطموح من مشروعية وفق ما يؤطر من تخطيط عادل وشامل يؤخذ به في حساب الحقوق والواجبات لجميع أفراد المجتمع.