18 ديسمبر، 2024 8:08 م

بعد منتصف القرن العشرين إنتشرت خدعة الثورات في دول الأمة , وهي إنقلابات يقودها العسكر , ويدخلون القصور الحاكمة بالدبابات , ويفعلون ما يفعلونه من البشائع بأعضاء الحكومة التي أطاحوا بها , ويسمون تلك الإنقلابات الدامية المرعبة بالثورات.
فهل حقا كانت عندنا ثورات؟
من المسلمات التي علينا أن نقر بها , أن أشياع الدولة العثمانية بأسرها ملك للدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى , ودولنا تأتي في مقدمتها لما فيها من الثروات المتنوعة.
ووفقا لذلك فأي نظام حكم تأسس بعد النصف الأول من القرن العشرين , هدفه تأمين مصالح الدول المالكة لمصير البلاد والعباد.
والفرق بين أنظمة الحكم في النصف الأول من القرن العشرين والنصف الثاني منه , أن الأولى كانت تتسم بدرجة ما من الوطنية والعمل وفقا لنظام دستوري وللقانون عندها هيبة.
أما أنظمة الحكم التي جاءت على حطامها وأجسادها وبدبابات من داخل البلد , فألغت الدستور وأسست لأنظمة حكم فرية وفئوية وتحزبية , يكون فيها الفرد الأول هو الدستور والقانون , وقتلت من أبناء الشعب ما لم تقتله جميع الأنظمة قبلها.
فالقول بوجود ثورات في دول الأمة , تضليل وتدجيل , فما حظيت دولة بنظام ثوري حقيقي إلا فيما قل وندر , فما سمي بالثورات ضحك على الذقون وأخذ للشعب إلى أتون حروب مجنونة , وتداعيات مأفونة , وما حققت تلك المسماة بالثورات أي إنجاز وطني يصلح للأجيال.
وعندما ننظر إلى أحوال تلك الدول التي قامت فيها الثورات , فأنها في قاع الدنيا , ومعظم أبنائها هاربون منها , والمواطن يعيش في أصعب حالات الحرمان من أبسط حقوق الإنسان.
ولا يمكن مقارنتها بالثورات التي حصلت في دول الدنيا الأخرى , التي حققت إنتقالات حضارية معاصرة فيها , فثوراتنا سعت إلى الحروب والبطولات الكارتونية والإمعان بتأكيد الفردية , والتأسيس لسلوكيات الفساد والخراب , وما تعلمت من تجاربها , ولا إنحازت لغير الكرسي الذي أفناها , وأفنى الناس في دولها المبتلاة بها وبشعاراتها الهذيانية , وقلة الحكمة والدراية والمهارة القيادية.
فمن يدّعي بوجود ثورة في دولنا عليه أن يأتينا ببرهان مبين يستوفي معنى الثورة , وبمنجزات وطنية ذات قيمة تواصلية مع الأجيال!!
د-صادق السامرائي