23 ديسمبر، 2024 2:00 ص

لا أهدف تبرأة الكراسي بأنواعها ومسمياتها مما إرتكبته من آثام وخطايا , غير أن معظم سفك الدماء في مسيرة الأمة جرى وفقا لفتاوى العمائم المؤدينة (المتاجرة بالدين) , أيا كان لونها وحجمها , حتى إجتياح بغداد وقتل الخليفة العباسي ربما بفتاوى من الفقهاء , الذين إنضموا لهولاكو وبرأيهم فعل.
وما قام به العثمانيون في مصر المماليك بفتوى تلو فتوى , وما يحصل من أحداث وويلات مروعة , وفقا لفتاوى تسمى شرعية , أدلى بها أصحاب عمائم همهم الدنيا وغنائمها.
ولا يوجد عَلم في الأمة , عالما , مفكرا , مثقفا , أصابه ما أصابه إلا بفتوى , فجهابذة الأمة الأعلام قتلهم وآذاهم فقهاء الكراسي بعناوينهم.
وفي محنة خلق القرآن , كان كبار رجالات العلم والفكر يتعرضون للعذاب المشرعن بفتوى , فكان الخليفة يأمر سيافه بقطع الرؤوس وفقا لفتاوى.
والسلاطين العثمانيون لا يقومون بشيئ دون فتوى , حتى قتل سليمان القانوني لوزيره إبراهيم , وإبنه مصطفى كان بفتاوى من فقيه السلطان , الذي عليه أن يعطي مشروعية دينية لكل سلوك وقرار.
فالواقع الذي تغفله الأجيال , أن العمائم تتحكم بمصير البلاد والعباد , وأسهمت بوصول أحوال الأمة إلى ما هي عليه من الضعف والهوان.
قد لا يعجب الكثيرون ما تقدم من القول , غير أنهم ربما لا يستطيعون الإتيان ببرهان راجح ودليل واضح يدحضه.
فمسيرة الأمة منذ بدايتها , محكومة بإرادة شرعية على رأسها ما نسميهم بالفقهاء , فهم الآمرون الناهون ويوجهون الكراسي نحو ما يريدون.
وبموجب ما يرونه ويقررونه كانت تتحرك الحياة في الدول , التي إدّعت بأنها تمثل الإسلام , وتطبق شرعه وتعبر عن إرادته.
ولا يمكن لأمة إرادتها مرهونة بعمامة أن تتطور وتعاصر , لأن رؤية العمامة جامدة , لا تستطيع الخروج من صناديق ما تراه وتتخندق فيه , ومقطوعة عن زمانها ومكانها , وتجهل مصالح الأمة ومفردات العصر والتأريخ.
ومعظمها في أمية دينية وتتوهم المعرفة , فهي لا تدري ولا تدري أنها لا تدري.
وتلك مصيبة أمة وفاجعة دين!!