19 ديسمبر، 2024 2:04 ص

أما آن للعراقيين إستثمار تجارب الشعوب الحية؟!

أما آن للعراقيين إستثمار تجارب الشعوب الحية؟!

لم يكن العراق الدولة الاولى أو الوحيدة في تعرضه للحروب وللاحتلال من قبل قوات أجنبية، ولم تكن المرة الاولى في تأريخه القديم أو المعاصر. الا انها المرة الاولى التي لا تستثمر فيها أحداث مثل هذه الجسامة في توحيد الصفوف ونسيان الخلافات، وجعل تلك الأحداث سببا واتخاذها سلما لعملية بناء وتطور ونهوض وصحوة وعلى كافة المستويات والأصعدة. فالكوريون والفيتناميون ومن قبلهم الألمان واليابانيون وغيرهم هزتهم نكبات الحروب وصهرتهم ويلات الاحتلال فصنعوا منها قواعد للنهوض والتحدي والمطاولة حتى فاقوا مراتب محتليهم تطورا وظاهوا مصاف أعدائهم مكانة وتقدما. وها هو عام التجربة العراقية الحادي عشريشارف غى نهايته وعملية التغيير تراوح مكانها بسبب الخلافات التي واكبت عملية سقوط السلطة السابقة وظلت عالقة دون حسم، مع ان الجميع يسعون الى اقامة نظام ديمقراطي تعددي حر. ان مسؤولية تعثر العملية السياسية تقع على عاتق جميع الأطراف المشاركة فيها والمعارضة لها فالتعنت والتزمت والاصرار على الخلاف لا يجدي ولا يؤدي الا الى مزيد من الإرباك والتعطيل للمشروع الوطني حيث ان طرح بعض التنازلات من هذا الطرف أو ذلك لا يخدش الوطنية ولا يمس الكرامة طالما كان الهدف الكبير هو انجاح العملية السياسية والتوجه لمرحلة البناء والاعمار وتوحيد الجهود لدحر الهجمة الارهابية الشرسة والمحافظة على ما تحقق من انجازات. فالعراقيون بكل أطيافهم وتوجهاتهم وحركاتهم السياسية لديهم الكثير من الأهداف التي يتفقون عليها مثلما لديهم من الاهداف ما يختلفون عليها لكنهم يقفون جميعا مع مشروع بناء العراق الديمقراطي الموحد. ان مبدأ التوافق الذي تواضعت عليه الكتل المشاركة يسهم في تسوية وحل الكثير من الاشكاليات وتجاوز العقبات ولذا يتوجب استثمار هذا المبدأ والتعجيل بحل كل المشاكل العالقة أو المعرقلة لعملية البناء والاستقرار. فمن غير المعقول- وبعد مضي احد عشر عاما على سقوط السلطة السابقة- استمرار دائرة العنف وتعطل المشاريع وغياب سطوة القانون والنظام برغم احتضان العالم للتجربة العراقية وتعامله مع الحكومة الوطنية على انها حكومة حضارية تسهم في استقرار المنطقة وتسعى لتثبيت قواعد نظام تعددي يخدم شعبها ويعزز وحدته الوطنية في اعمار وطنه الذي دمرته الحروب والسياسات الخاطئة.
فبرغم ما تحقق من انجازات سياسية على الصعيد الاقليمي والدولي، حيث استطاع العراقيون العودة بكل ثقلهم المعهود الى منظومتهم الدولية واخذ مكانهم اللائق بين المنظمات الانسانية ومؤسساتها الدولية وشاركوا في كل المؤتمرات والفعاليات والأنشطة الدولية والعربية خلال السنوات المنصرمة ولعبوا دورا مؤثرا وفاعلا فيها. واستطاعت الدبلوماسية العراقية الجديدة بجهودها الحثيثة اطفاء أكثر الديون المترتبة على العراق جراء السياسات السابقة حيث تم اطفاء ما يصل الى نسبة 80% من المستحقات في نادي باريس كما اطفئ كل الديون للدول الاخرى. هذه الديون التي كانت تثقل كاهل الشعب العراقي وتعرقل اقامة مشاريع صناعية وخدمية في العراق. وبرغم اضطراب الساحة العراقية أمنيا- وما تشهده من تكالب قوى الشر المتمثلة بالارهاب الخارجي والجريمة المنظمة- تم عقد مؤتمر بغداد بمشاركة أكثر من مائة هيئة ومؤسسة دولية وحضور الأمين العام للأمم المتحدة والذي خرج بتوصيات هامة من شأنها المشاركة في عملية بناء واعمار العراق واعادة استقراره من خلال استعداد الدول المشاركة وتعهدها الاستمرار بدعم العراق وتجربته الرائدة. وبناءا على تلك التوصيات سيعقد مؤتمر اقتصادي خاص بتفعيل الاقتصاد العراقي وذلك في مطلع الشهر القادم بمشاركة العديد من الدول العربية والعالمية وخاصة دول الجوار.وكذلك عقد مؤتمر عالمي لمكافحة الارهاب في بغداد
وتأتي زيارات  المسؤولين العراقيين للعديد من الدول العربية والاجنبية   وعقد المزيد من الاتفاقيات واستقدام الشركات العالمية العملاقة لانجاز المشاريع الحيوية تعزيزا للنهج الذي تبنته السياسة العراقية الجديدة في الانفتاح على العالم وتوثيق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية وفك طوق العزلة الذي تسببت به السياسات العدوانية للسلطة السابقة.
ان ما حصل ويحصل في العراق من فوضى واضطراب نتيجة طبيعية ومحسوبة، فسقوط سلطة دكتاتورية دامت أربعة عقود- وأقامت كيانها على العديد من المنظومات المخابراتية والأمنية وشكلت لذلك آلاف الشبكات السرية الخارجية والداخلية وجندت فيالق من المنتفعين والمستفيدين وربطت بقاءهم ومصيرهم بوجودها- لا يعني سقوط تلك المنظومة والتجربة بكاملها، ولا يعني سكوت واستسلام اتباعها بيسر وسهولة، ولا يمكن طي صفحات عنفها واستبدادها بفترة وجيزة، بقدر ما يعنيه من ولادة متعسرة لمخاض مرهق طويل اسس لبدايات عهد جديد بما يصحب البدايات من مشاكل وما يلازمها من أخطاء وما يواكبها من تلكؤ وعثرات. ولذا وجد العراقيون أنفسهم وجها لوجه قبالة واقع مأساوي فضيع، وحالة مستهجنة خطيرة لم يعهدوها ابتدأت بنهب وتخريب مؤسسات الدولة وتدميرها وحرقها والسطو على المال والثروات الوطنية الحضارية على يد مئات الألوف من المجرمين المحترفين الذين تم اطلاق سراحهم قبل شهر من سقوط السلطة، وبدعم وتحريض خارجي. ممهدة لدورة العنف الدموي من تفجير وخطف وذبح تساهم فيه قوى الارهاب العالمية الممولة والمدعومة من جهات معروفة، حيث استمرت هذه الدورة المتوحشة لتطول كل ما وقعت عليه يدها دون تمييز بغية اسقاط التجربة العراقية الجديدة والعودة بالعراق الى فترات التسلط والتعسف والاستبداد.
وها هي التجربة الرائدة تنهض برغم تكالب الارهاب الدولي المنظم عليها ،وبرغم تآمر وغدر بعض شركاء العملية السياسية الذين دخلوها بقصد تخريبها..ها هي تنهض متجاوزة مرحلة الخطر، متخطية عوائق ومصدات الاستمرار والبقاء، عابرة معرقلات ومطبات مسيرة بناء النظام الجماهيري التعددي، مدعومة بجماهيرها المليونية المصرة على انجاح وترسيخ قواعد النظام الديمقراطي الحر بما قدمته وتقدمه من تضحيات جسام فاقت التصورات وحيرت العقول وأذهلت شعوب العالم. وبهذا يكون العراق مؤهلا لاستثمار تجارب الشعوب الحية التي جعلت من الاحتلال سببا للنهوض والرقي، ومدعاة للتوحد والتلاحم، حتى تحدت محتليها وفاقتهم تقدما وتطورا في جميع حقول العلم والمعرفة والعيش الحر المرفه الكريم في ظل أنظمة دستورية تعددية تكفل حقوق مواطنيها وفق معايير العدل والمساواة.ان العراقيين بكل اطيافهم وقومياتهم واديانهم وتوجهاتهم ،مسؤولين ومثقفين وبسطاء مدعوين للدفاع المستميت عن التجربة الديمقراطية والوقوف بحزم بوجه الهجمة الشرسة التي تشنها عصابات الاجرام المنظم بكل مسمياتها من القاعدة وداعش ومسميات اجهزة سلطة البعث المنقرضة والمدعومة دوليا والممولة خليجيا والمسنودة من حواضن الخيانة في الداخل ،وصد هذه الهجمة التي استهدفت العراق والعراقيين من دون استثناء مستخدمة ابشع الوسائل الاجرامية واقذرها على الاطلاق محاولة اعادة العراقيين الى عصور التخلف والظلام ،وهاهي تعلن خلافتها على ارض الموصل الحدباء بمباركة السعودية وقطر وتركيا وتأييد اميركي بريطاني اسرائيلي،ولن تتوقف عند هذا الحد ان لم تتظافر جميع الجهود وتسارع الى قبر هذه العصابة وطمر مستنقعاتها الى الابد .

أحدث المقالات

أحدث المقالات