النبي الكريم قبل أن تعلن نبوته كان يلقب بالصادق الأمين , وقد عرضت الأمانة على الجبال فأبينها , وقبلها الإنسان وكان جهولا , والأمانة من قيم الإسلام الكبرى , فلا دين لمن لا أمانة له.
والأمانة من الأمن والأمان والصون والحفاظ عى ما يؤتمن عليه المرء , وقد يكون مالا أو وصية أو مسؤولية , وما يستوجب الحفظ والصون.
والحكم أمانة والمسؤولية أمانة , والكرسي أمانة , والسلطة أمانة , ومن عجائب زماننا , أن الأحزاب المدّعية بدين صارت ذات سلطة , وبوجودها عمّ الفساد وضاعت الأمانة , وفقدت معانيها وإسمها المسؤولية.
والعلة تكمن في تفسيرها للأمانة على أنها غنيمة , وبهذا المفهوم , ما عاد الفساد فسادا , وإنما حقا وواجبا , والكراسي غنائم حزبية وفئوية , وهكذا دواليك , في عالم تضطرب فيه الموازين وتغيب المعايير.
ويصير الكذب صدقا , والحق باطلا , والفساد عقيدة , والوحدة كفرا , والإعتصام بحبل الله مثلبة , والرحمة ضعفا , والألفة خديعة والأخوة سياسة لتحقيق مآرب النفس الأمّارة بالسوء.
عجائب وغرائب في زمن تدّعي فيه الفئات بأنها مذاهب , وتقوم بالواجب , والدين عقيدة عليها تواظب , فتراهم سيماهم في وجوههم من شدة الإلتزام بالطقوس والتفكر بالعواقب.
ومن حولهم الظلام يزداد حندسا , والجهل يُدام معرسا , والكل يتضور من بؤسه ويبدو عابسا , فالفقر فظيع والجوع مريع , والحرمان شنيع , وكل يغني على ليلاه المريضة , ويتدحرج في مرماه ويريد ما لايراه , ويحسب أن الدين والدنيا على هواه.
فتلك مصيبة وخيمة ومصرعة أليمة , وحالة وجود سقيمة , يعم فيها الفساد , وتستغيث العباد , ويتوجع منها الأسياد , ويصبح لخيام السوء أعمدة وأوتاد.
فينتصر الباطل , ويتأسد الجاهل , ويتشرد العاقل , والشعب غافل , والوطن ذابل , والقادر باقل.
وحسبك من عاصفة هوجاء , تداهم الطهماء , وترسي الظلماء , وتبعث الشقاء , وتفرح الأعداء , وتبث الكراهية بين الأحبة والأصدقاء , فتحدق عيون البغضاء , فتكون الوجوه والنفوس سوداء , والإبتسامات شاحبة صفراء.
وكأن الوجود صحراء , كالحة جرداء , فالأمانة سقيمة , والسلطة غنيمة , وحسبنا أننا في وليمة.
القوي يفترس الضعيف , والسيئ يقتل العفيف , فالغضب سلطان , والتطرف أمان , وما عاد الإنسان يعرف الإنسان , وتلك مآسينا ومباعث الأشجان , وقد صارت السياسات مشاريع أحزان , تلد الأزمات والإغتيالات والصراعات الحامية المكشرة الأسنان.
فعن أية أمانة تتحدثون , وأنتم بالغنائم تتمتعون , وبالخديعة تسبّحون , وقال قائلهم إنه لمجنون ,
وحسبنا أنه بالنفط مفتون.
فالمسؤولية أمانة وليست غنيمة.
وعندما تكون الأمانة مغنما تتحقق الخيانة لأنها هي المغنم.
وأماناتنا مغانم , فلماذا نتحدث عن الخيانات والمآثم؟!
ولا إيمان لمن لا أمانة له , فلا مسؤول على فجيعة , ولا أمن ولا نظام!!