أدت الهجرة والتهجير بفعل الحروب والكواراث الأخرى كالكوارث الطبيعية الى بروز قدرات ومهارات أولاد واحفاد االملونيين وتفردهم وتفوقهم في مجالات حيوية عدة في دول غير دولهم بنسب لايستهان بها وأصبحت دول اللجوء تعول عليهمكثيرا كما تزامن مع هذا أيضا ظهور ميل خفي“تظاهري” او ربما غريزي لدى بعض الفئات السياسية وخاصة اليمينية المتطرفة من أهالي البلاد الاصليين ميل للوقوف ضد أولاد واحفادهؤلاء القادمين الجدد“الغرباء” ومحاربتهم. ومن الملفت ان بعض هؤلاء تولوا مناصب حساسة في الدول المضيفة الجديدة وذلك في سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية كما تفوقوا في مجالات العلوم والفنون والتكنولوجيا والرياضةوالموسيقا والكثير من الميادين الاخرى. واصبحوا مكونا أساسيا من مكونات هذه الميادين لايمكن الاستغناء عنه. ولكن بقي ذلك الشعور الخفي.
فبالأمس في بريطانيا خسر حزب المحافظين برئاسة ريشي سوناك( بريطاني من أصول هندية) انتخابات سنة 24 وفاز بها حزب العمال بأغلبية ساحقة برئاسة كير ستارمر (من اسرة بريطانيةعريقة ) و على الأرجح كان الميل السلبي او الشعور السلبي المتأصل عند البريطانيين من غير ضحايا الهجرة ضد ضحايا الهجرة هو السبب وراء خسارة حزب سوناك.
وكانت النتيجة معروفة جيدا للمراقبين ويذكر ان حزب المحافظين قد حكم البلاد لمدة 14 سنة ( 2010-2024) وخلال تلك الفترة اخرج الحزب بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوربي بما يسمى ب ( Brexit) بعد اجراء استفتاء شعبي عام. بعد هذه المقدمة لنعود قليلا الى الوراء.
يبدو ان الشعوب في الغرب غريزا وتظاهريا كما ذكرت لا تتقبل عموما فكرة تصدر الملوننين من أبناء و احفاد المهاجرين والمهجرين في الحكم وفي التحكم في امور بلدانهم بعكس مادرجوا عليه هم انفسهم( المستعمرون بكسر الميم ) في القرون الماضية( أيام الاستعمار القديم والامبرالية) ضد رغبات الشعوب في غزو واحتلال والتحكم بمصائر الشعوب وخاصة في آسيا وافريقيا وكثير من الجزر الصغيرة والكبيرة في المحيطات والبحار وحتى هذه الهيمنة لا تزال مصحوبة بخلافات بين دول اوربا ذاتها وغيرها. فمثلا هناك لا يزال خلاف بين بريطانيا واسبانيا حول عائدية مضيق جبل طارق دون حلول وكذلك الحال مع جزر الفوكلاندا بين بريطانيا والأرجنتين حول عائدية جزر الفوكلاند قرب سواحل الارجنتين . وظل الأوروبيون تتحكمون بمصائر هذه الشعوب المغلوبة بشتى السبل منها الحكم بالإنابة عن طريق السكان الاصليين المواليين لهذه الدول كما حدث في تايوان او عن طريق الاستئجار كما حدث في هونك كونك مع وجود ممثلا عن الدولة المؤجرة او المستأجرة.
ولابد من الإشارة الى ان انكار التمييز العنصري وانكارالتحيز ضد الاخر اصبح احيانا في كثير من دول الغرب ظاهريا مقياسا للتحضر وابتعادا عن القيم الموروثة واتسقا مع المدنية ولكن غريزا لا تزال اثاره باقية كما نراه واضحا في دول اوربا الغربية بشكل خاص على يد اليمين المتطرف الذي بدأ يتفوق بفضل مواطنيه الأصليين على منافسيه السياسيين في الانتخابات التي جرت وتجرى حاليا. وصح المثل العربي البدوي القائل ” الي به به”.
والذي حصل لريشي سوناك الذي لم يمض فترة طويلة في منصب رئيس وزراء بريطانيا حصل أيضا ل” حمزة يوسف” – مسلم من أصول هندية-الوزير الأول لحكومة الائتلاف في اسكوتلاند وزعيم الحزب الوطني الاسكوتلاندي(SNP ) بعد خلافه مع شريكه في الائتلاف حزب الخضر حول الانبعاثات الكاربونية ومن ثم استقالته والامثلة كثيرة على ذلك.
أ يعود كل هذا الى اختلاف الثقافات او صعوبة التخلي عن مباديء الأجداد والاسلاف في البلد المضيف رغم التظاهر والزعم بعدم امتلاك و هيمنةذلك الشعور؟ أويغود الى عدم القدرة على التحمل ان ينقاد البلد من طرف اشخاص من ثقافات أخرى؟أويعود الى مخافة هيمنة ثقافة الحاكم على البلد ومحاربة الثقافات الاصلية؟ او لاثبات عدم قدرة الأهالي الأصليين على إدارة بلدهم وعدم قدرتهم على الحفاظ على كبريئهم وكرامتهم؟
كل هذه الأسئلة وغيرها قد تدور في عقل الناخب الغربي قبيل الانتخابات وبعيدها ….وكل الإجابات قد توجهه نحو انتخاب واختيار ابن البلد ” المنتج الوطني” والحيدان عن ” الدخيل” الغرباء . قد يكون هذا طبع انساني ولكن الادعاء بخلاف ذلك كذب واضح ومثلمة ومنقصة الا ما ندر