يمتلك البشر قدرة عجيبة على التلون في حياتهم، كما تفعل الكائنات في الطبيعة، إلا أن اختلافهم يكمن في الغاية.
فبينما تتلون الحيوانات مدفوعةً بغريزة البقاء، يغيّر الإنسان ألوانه حتى في أوقات الرخاء والرفاهية،
لا بدافع الحاجة، بل بحكم الطبع الذي يجعل التقلّب جزءًا من معالم شخصيته.
ففي عالم البشر، لا يرتبط التلوّن بالمخاطر، بل يتحوّل إلى وسيلةٍ للتكيّف الاجتماعي، أداةً لصياغة الذات وفق متغيرات المصالح والعلاقات.
يتقن البعض فنّ ارتداء الأقنعة، متنقلين بين دور الصديق والمنافس، بين الصدق والمجاملة، وكأنّ هويّتهم الحقيقية ضائعةٌ بين خياراتٍ لا تنتهي.
هذا التلوّن لا ينبع من الحاجة إلى البقاء، بل من نزعة دفينةٍ نحو التحوّل، إما بحثًا عن القبول، أو هروبًا من مواجهة الذات في شكلها الأصيل.
لكن مهما تعدّدت الألوان التي يختارها الإنسان في مسيرته، يبقى له لونٌ أصليّ، قد يخفيه تحت طبقاتٍ متراكمة، لكنه لا يزول. فكما تعود الطبيعة دائمًا إلى قوانينها الأولى، يعود الإنسان، رغم كل محاولاته في التمويه، إلى جوهره، إلى لحظاتٍ تفضحه فيها مواقفه، إذ تسقط الألوان المصطنعة، وتبقى الحقيقة وحدها شاهدةً عليه.